قال الله تعالى في ( سورة الكهف ) على لسان العبد الصالح :﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾(الكهف:97-82) .
الســؤال :
ما السر في استعمال صيغة المتكلم المفرد في الحديث عن السفينة ﴿ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ ، ثم صيغة المتكلم الجمع في الحديث عن الغلام ﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ ، ثم ربط قضية الجدار والغلامين بالإرادة الإلهية مباشرة ﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ﴾ ؟
الجــواب :
أولاً- أما قوله في الآية الأولى :﴿ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا ﴾ فأسند فعل إرادة تعييب السفينة إلى نفسه ؛ لأنه في الظاهر إفساد ؛ إذ فيه ذكر إرادة العيب ، وهو مما لا يليق إسناده إلى الله جل وعلا ، فأسنده إلى نفسه خاصة تأدبًا مع الله جل وعلا ؛ كما تأدب إبراهيم عليه السلام مع ربه جل وعلا في قوله :﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ﴾ (الشعراء: 80) ، فأسند فعل الشفاء إلى الله تبارك وتعالى ، في حين أسند فعل المرض إلى نفسه ؛ إذ هو معنى نقص ، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الأفعال إلا ما يستحسن منها ، دون ما يستقبح ، وهذا كما قال تعالى :﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾(آل عمران: 26) ، فاقتصر على ذكر الخير دون الشر ، مع أن المراد : بيدك الخير والشر . ولله تعالى أن يسند إلى نفسه ما يشاء ، ويطلق عليها ما يريد ، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة ، والأفعال الشريفة ، جل وتعالى عن النقائص والآفات ، وعلا علوًا كبيرًا .
ثانيًا- وأما قوله في الآية الثانية :﴿ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴾ فأسند فعل الإرادة إلى ضمير الجمع ؛ لأنه في الظاهر إفساد من حيث القتل ، وإنعام من حيث التأويل ، فأسند إرادة القتل إلى نفسه ، وإرادة تبديل الغلام بخير منه زكاة وأقرب رحمًا إلى الله عز وجل . قيل : قتل الغلام كان منه وبيده ، وإبداله بخير منه كان من الله سبحانه ، وقد أبدل الله الأبوين المؤمنين ابنة ، تزوجها نبي ، فولدت له اثنا عشر غلامًا ، كلهم أنبياء .. فسبحان الله !
ثالثًا- وأما قوله في الآية الثالثة :﴿ فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ﴾ فأسند فعل إرادة بلوغ الغلامين أشدهما ، واستخراج كنزهما إلى الله عز وجل ؛ لأنه إنعام محض ، وهو لا يكون إلا من الله عز وجل ؛ ولأنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، فأسنده إلى الرب جل وعلا ؛ لأنه علام الغيوب ، وأنه المنعم على عباده وحده ، ولا منعم سواه .. والله تعالى أعلم !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
0 التعليقات:
إرسال تعليق