أولاً- قال الله عز وجل في صفة ملائكة النار :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾(التحريم: 6) . وظاهر قوله تعالى :﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ﴾ يدل على أنه في معنى قوله تعالى :﴿ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ، فإذا كان كذلك ، فما فائدة ذكر الثاني بعد الأول ؟
ثانيًا- والجواب عن ذلك : أن قوله تعالى :﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ﴾ ليس في معنى قوله :﴿ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ؛ لأن الأول ثناء على الملائكة عليهم السلام ، أعقب وصفهم بأنهم غلاظ شداد ، تعديلاً لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم ، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار . ثم أُكِّد بثناء أعمُّ منه ، وهو قوله تعالى :﴿ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ، وعطف الثاني على الأول يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه . فالذي يفعل ما يؤمر أوضح في الطاعة من الذي لا يعصي الأوامر ؛ لأن الذي لا يعصي الله في ما أمره قد يعصي غير الله . وأما الذي يفعل ما يؤمر فلا خيار له أن يفعل غير ما يؤمر به . وبهذا يتضح الفرق في المعنى بين القولين ؛ ونحو ذلك قوله تعالى :﴿ يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾(النحل:50) .
وفي ذلك قال الزمخشري :« فإن قلت : أليست الجملتان في معنى واحد ؟ قلت : لا ؛ فإن معنى الأولى : أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية : أنهم يؤدون ما يؤمرون به لا يتثاقلون عنه ، ولا يتوانون فيه » ، والله تعالى أعلم بمراده !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك
0 التعليقات:
إرسال تعليق