الأحد، 12 فبراير 2012

فقد صغت قلوبكما


أولاً- من الأخطاء اللغوية المزعومة التي تنسب إلى القرآن الكريم استعمال صيغة الجمع بدلاً من صيغة المثنى ؛ كما في قول الله عز وجل :﴿ إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (التحريم:4) ، وهو خطاب لعائشة وحفصة- رضي الله عنهما- على طريقة الالتفات ؛ ليكون أبلغ في معاتبتهما ، والتوبة من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيذاء .

ومعنى قوله تعالى :﴿ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ . أي : عدلت ومالت عن الحق ، وهو حق الرسول عليه الصلاة والسلام ؛ وذلك حق عظيم يوجد فيه استحقاق العتاب بأدنى تقصير ، وكان وجه الكلام يقتضي أن يقال :( صَغَى قلباكما ) ؛ وبذلك يطابق آخر الكلام أوله .

وقد أجيب عن ذلك :

بأنه لما كان المخاطب مثنَّى ، كانت صيغة الجمع في « قلوب » مستعملة في الاثنين ، طلبًا لخفة اللفظ عند إضافته إلى ضمير المثنى ، كراهية اجتماع مثنَّيين ؛ فإن صيغة التثنية ثقيلة لقلة دورانها في الكلام . فلما أُمِن اللبس ، ساغ التعبير بصيغة الجمع عن التثنية . وقيل غير ذلك ممَّا لا يوضح أسلوبًا ، ويفسر معنى .

ثانيًا- وتحقيق القول في هذه المسألة : أن من شأن العرب ، إذا ذكروا الشيئين من اثنين لا ثاني لهما ، عبروا عنهما بلفظ الجمع ؛ لأنه أليق بهما وأفصح ، بشرط أن يضاف الجمع إلى مثنى ضمير ، أو ظاهر ؛ فمن إضافة الجمع إلى ضمير قولهم :« ضربت من عبد الله وعمرو رؤوسهما » . ومن إضافته إلى ظاهر قولهم :« قطعت رؤوس الكبشين » ؛ فهذا أشهر وأفصح من أن يقال :« ضربت رأسيهما » ، و« قطعت رأسي الكبشين » ، وإن كان هذا جائزًا .

قال الفراء في تفسير الآية :« وإنما اختير الجمع على التثنية ؛ لأن أكثر ما يكون عليه الجوارح اثنان ، اثنان في الإنسان ؛ كاليدين والرجلين والعينين ، فلما جرى أكثره على ذلك ، ذهب بالواحد منه ، إذا أضيف إلى اثنين ، مذهب الاثنين » . وقال الزجاج :« وحقيقة هذا الباب : أن ما كان في الشيء منه واحد ، لم يثنَّ ، ولُفِظ به على الجمع ؛ لأن الإضافة تبيِّنه . فإذا قلت : أشبعت بطونهما ، علم أن للاثنين بطنين فقط » .

ومن ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة ، فإذا هو بأبي بكر وعمر ، فقال :« ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ؟ » . قالا : الجوع يا رسول الله ... » الحديث . فلما قال :« من بيوتكما » ، علم أن لكل واحد منهما بيت واحد ، لا أكثر .

وكذلك لما قال تعالى :﴿ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ، علم أن لكل واحدة منهما قلب واحد . ولو قيل :( فقد صغى قلباكما ) ، لربما توُهِّم- مع جوازه- أن لكل منهما قلبان ، أو أكثر .. عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال : قام نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخطر خطرة ، فقال المنافقون الذين يصلون معه : ألا ترون له قلبان : قلب معهم ، وقلب معكم ؟ فأنزل الله عز وجل :﴿ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ (الأحزاب:4) .. ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ، لك الحمد والفضل والمنة ، سبحانك ! لا إله إلا أنت !

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق