الأحد، 12 فبراير 2012

الفرق بين الأخ والإخوة والإخوان


الأخ والإخوة والإخوان

أولاً- الأَخُ – كما قال الجوهري وغيره من علماء اللغة- أَصله : أَخَوٌ ، بالتحريك ؛ لأَنك تقول في التثنية : أَخَوان ، وبعض العرب يقول : أَخَانِ على النقْص . والنسبة إِليه : أَخَوِيّ . فالذاهب منه- على هذا- واوٌ ، ومثله في ذلك : الأب . قال المبرِّد : الأَبُ ، والأَخُ ذهب منهما الواو . تقول : في التثنية : أبَوان ، وأخَوان ، ولم يُسَكِّنوا أوائلهما ؛ لئلاَّ تدخل أَلفُ الوَصْل ، وهي همزة على الهمزة التي في أَوائلهما ، كما فعلوا في الابْنِ والاسْمِ اللذيْنِ بُنِيا على سكون أَوائلهما ، فدخلَتهما أَلفُ الوصل . وذهب الخليل في معجم العين إلى أن حدَّ تأليف الخاء مع الهمزة : الأَخُ ، وكان أَصل تأليف بنائه على بناء : فَعَل ، بثلاث حركات ، فاستثقلوا ذلك ، وفيها ثلاثة أَشياء : حَرْف ، وصَوْت ، وصَرْف ، فألقَوُا الواو بصرفها ، وأبقَوْا منها الصوت ، فاعتمد صوت الواو على فتحة الخاء ، فصار معها ألفًا ليِّنة ، ثم ألقَوا الأَلفَ استخفافًا ، لكثرة استعمالهم إياها ، وبقيت الخاء على حركتها ، فجرت على وجوه النحو لقِصَر الاسم . فإِذا لم يضيفوه قَوَّوْهُ بالتنوين ، وإِذا أضافوه لم يَحْسُن التنوين ، فقَوَّوْهُ بالمدِّ في حالات الإضافة . فإذا ثَنَّوْا قالوا : أخَوان ؛ لأَن الاسم متحرِّك الوسط ، فلم تَصِرْ حركتُه خَلَفًا من الواو الساقط ؛ كما صارت حركة الدالِ في اليَدِ ، وحركة الميم في الدَّمِ ، فقالوا : دَمَان ، ويَدَان ؛ لأن وسطهما ساكن ، فصار تحرك الدال والميم خلفًا من الحرف الساقط ، فقالوا : دَمَان ويَدَان . وبعض العرب يقول : أخا ، مقصور ، ومنه قولهم في المثل :« مكرَه أخاك لا بطل » . وذهب بعضهم إلى أن الأَخُ ، كان في الأَصل : أَخْوٌ ، بتسكين الخاء ، فحذفت الواو ؛ لأنها وقعت طرَفًا ، وحرِّكت الخاءُ . وقيل : الأَخَا مقصور . والأَخْوُ ، بتسكين الخاء لغتان في الأخ ، حكاهما ابن الأَعرابي .

ومؤنَّث الأخ : أخت ، وقد اجتمعا في قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ﴾(النساء: 176) ، ويطلق كل منهما على المشارك آخر في الولادة من الطرفين ، أو من أحدهما ، أو من الرضاع . أو في الدين ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة ، أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة ، وفى غير ذلك من المناسبات ، حتى إنه ليقال في السلع ونحوها إذا اشتبهت في الصورة ، أو في الجَوْدة ، أو في القِيمة ، قالوا : هذا أخو هذا .

واشتقاق الأَخ من : تأخَّيت الشيءَ تأخِّيًا ، بمعنى : قصدته وتحرَّيته ؛ فسُمِّيَ الأخوان : أخوين ؛ لأن كل واحد منهما يتأخَّى ما تأخَّاه الآخر . أي : يقصده . قال الزجاج :« أصل الأخ في اللغة من التوخِّي ، وهو الطلب ؛ فإن الأخ مقصده مقصد أخيه » . وقال الأزهري في تهذيب اللغة :« قال بعض النحويِّين : سُمِّيَ الأَخُ : أَخًا ؛ لأن قَصْدَه قَصْدُ أخيه ، وأَصله من : وَخَى يَخِي . أي : قَصَد ، فقلبت الواو همزة » . وإلى هذا أشار ابن فارس بقوله في :« الهمزة والخاء والواو ليس بأصل ؛ لأن الهمزة عندنا مبدلة من واو .. وكذلك الآخِيَّة » .

وقال الخليل :« الأخيَّة عود يعرض في الحائط تشد إليه الدابة ، وتجمع على : الأواخي . ولفلانٍ عند الأمير أَخِيَّةٌ ثابتةٌ . والفعل : أخَّيت تأْخِِيةً ، وتأخَّيت أنا ، واشتقاقه من آخيَّة العود ، وهي في تقدير الفعل : فاعولة . ويقال : آخِيَةٌ ، بالتخفيف في كل ذلك » . وقال الراغب الأصفهاني :« واعتبر من الأخوة معنى الملازمة ، فقيل : أخيَّة الدابة » . وقال الزمخشري في أساس البلاغة :« ومن المجاز قولهم : بين السماحة ، والحماسة تآخٍ .. وله عند الأمير آخية ثابتة . وشددت له آخيَّة لا يحلُّها المُهْرُ الأَرِنُ . وشدَّ الله بينكما أَوَاخِي الإِخاء ، وحلَّ أواري الرِّياء » . و( المُهْرُ الأَرِنُ : النشيط ) .

والوَخْيُ في اللغة : القصد والتوجُّه . قال ابن فارس :« الواو والخاء والحرف المعتلّ : كلمةٌ تدلُّ على سَيْرٍ وقصد . يقال : وخَت الناقة تَخِي وَخْيًا » . وقال الأزهري :« التَّوَخِّي للحقِّ - بمعنى التَّحَرِّي - مأخوذٌ من هذا . يقول الرجل لصاحبه : تَوَخَّيْتُ فيما أتيته محبَّتك . أي : تحرَّيْتُ . وربَّما قلبُوا الواو ألفًا ، فقالوا : تأخَّيْتُ » . وقال الخليل :« التَوَخِّي : أن تيمم أمرًا ، فتقصد قصده . وتقول : وَخىَّ يُوَخِّي تَوخيةً ، من قولك : تَوَخَّيْتُ أمر كذا . أي : تيمَّمته من دون ما سواه . وإذا قلت : وَخَّيْتُ ، فقد عدَّيت الفعل إلى غيره » .

فالتأخِّي مصدر : تأخَّى ، وهو مأخوذ من التوَخِّي مصدر : توَخَّى . والتوَخِّي مأخوذ من الوَخْي ، وكذلك الأخيَّة والآخيَّة . والإخاء مصدر : آخى ، وهمزته منقلبة عن واو . يقال : آخيت بينهما إخاء ، ووخاء . والاسم : الأُخُوَّةُ ، والخُوَّة لغة فيها . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار . أي : ألف بينهم بأخوة الإسلام والإيمان . قال الخليل :« بيني ، وبينه أُخُوَّةٌ وإِخاءُ . وتقولُ : آخَيْته ، ولغة طيءٍ : وَاخَيْتُهُ » . ثم قال :« وتقول : آخَيْتُ ، على أصل التأسيس ، ومن قال : واخَيْتُ ، بلغة طيء ، أخذه من الوِخاء » . وعن الزبير بن العوام قال :« أنزل الله عز وجل فينا خاصة معشر قريش والأنصار :﴿ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾(الأنفال: 75) ؛ وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة ، قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نِعْمَ الإخوانُ ، فواخيناهم ووارثناهم . فآخى أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخى عمر فلانًا ، وآخى عثمان بن عفان رضي الله عنه رجلا من بني زُرَيق .. وواخيت أنا كعب بن مالك » .

والتأَخِّي اتّخاذُ الإِخْوان . وفي صفة أَبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : لو كنت متَّخذًا خليلاً ، لاتَّخذت أبا بكر خليلاً ؛ ولكن خُوَّة الإسلام . قال ابن الأثير : كذا جاء في رواية ، وهي لغة في الأُخُوَّة . وفي تهذيب اللغة للأزهري :« حكى أبو عبيد عن اليزيدي : ما كنت أبًا ، ولقد أَبْيت أُبُوَّة . وما كنت أخًا ، ولقد أَخَّيت وتأَخَّيت . وقال غيره : ما كنت أبًا ، ولقد أَبَوْت . وما كنت أخًا ، ولقد أَخَوْت » . وفي تاج العروس للزَّبيدي :« وما كنت أخًا ، ولقد أَخَوْت أُخُوَّة ، بالضم وتشديد الواو ، وآخَيت ، بالمد ، وتأخَّيت : صرت أخًا » .

ثانيًا- ويجمع الأخ على ( إِخْوةٍ ) ، و( إِخْوان ) . قال الْخِليلُ :« يقال : الأخُ للواحد ، والاثنان : أَخَوان ، والجميع : إِخوانٌ ، وإِخوةٌ » ، بكسر الهمزة فيهما . وعن الفرَّاء وابن السّكيت ( أُخوَةٌ ) ، بضم الهمزة . ونسب بعضهم القول إلى سيبويه بأن ( إِخْوَة ) ، بكسر الهمزة ، اسم جمع ، وليس بجمع ، وهو منسوب إلى ابن السرَّج أيضًا . وتحرير القول في ذلك : أن ( إِخْوَة ) ، بكسر الهمزة جمع : أخٍ ؛ كـ( فتْيَة ) جمع : فتى . وأما ( أُخْوةٌ ) ، بضم الهمزة ، فهو اسم جمع ، وليس بجمع . قال ابن سيدة :« وزعم أبو سعيد السّيرافي أنه وجد في بعض نسخ كتاب سيبويه في ( باب ما هو اسم يقع على الجميع ) : ومثل ذلك : إِخْوَة . قال : وهذا خطأ ؛ لأن فِعْلَةً من أبنية الجموع ؛ وإنما هو أُخْوَةٌ ؛ لأن فُعْلَةً ليست من أبنية الجموع ؛ وإنما هو اسم للجميع كَفُرْهَة ، وصُحْبَة » .

ويجمع الأخ أيضًا على ( آخَاء ) ؛ كـ( أَبٍ وآبَاء ) ، حكاه سيبويه عن يونس . وقال الخليل :« تقول : هذا رجلٌ من آخائي ، على وزن : أفْعاليِ » ، وبه استدل النحويون على أَن أَخًا : فَعَلٌ ، مفتوح العين . وإذا جمعوه بالواو والنون ، قالوا : ( أخون ) ؛ كما قالوا :( أبون ) ، في جمع : أب . قال سيبويه :« وسألت الخليل عن أبٍ ، فقال : إن ألحقت به النون والزيادة التي قبلها قلت : أبون ، وكذلك أخ ، تقول : أخون ، لا تغيِّر البناء ، إلا أن تُحْدِثَ العربُ شيئًا » .

والمشهور من هذه الجموع جمعان : الأول :( إِخْوةٍ ) ، والثاني :( إِخْوان ) ، وجمهور علماء اللغة والنحو يطلقون ( الإخوة والإخوان ) على أُخُوَّة الولادة والنسب ، وأُخُوَّة الصداقة والدين ، وفرق بعضهم بينهما بأن خصَّ ( الإخوة ) بأخوة الولادة ، وخصَّ ( الإخوان ) بأخوة الصداقة ، وهذا ظاهر قول الخليل :« هم الإخوةُ إذا كانوا لأب ، وهم الإخوانُ إذا لم يكونوا لأب » . وحكى الأزهري هذا القول في تهذيب اللغة ، ثم عقَّب عليه بقوله :« هذا خطأ ، الإخوةُ ، والإخوان يكونون إخوةً لأبٍ ، وإخوةً للصَّفاء » . ثم قال :« قال أَبو حاتم : قال أَهلُ البَصْرة أَجمعون : الإِخْوة في النسَب ، والإخْوان في الصداقة . تقول : قال رجل من إخواني . فإِذا كان أخاه في النسب ، قالوا : إخوتي . قال : وهذا غلط ، يقال للأصدقاء ، وغير الأصدقاء : إخوة وإخوان . قال الله عز وجل :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10) ولم يعن النسب ، وقال :﴿ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ (النور: 61) وهذا في النسب » . وعقَّب الزركشي على ذلك في البرهان ، فقال :« وهذا هو الصواب » . ومن قبله قال أبو حيان في البحر :« والإخوان ، والإخوة جمع : أخ ، من نسب أو دين ، ومن زعم أن الإخوة تكون في النسب والإخوان في الصداقة ، فقد غلط » .

وقال ابن عادل في اللباب :« وقال بعضهم : إن الأخ في النسب يجمَع على ( إخوة ) ، وفي الدين يجمَع على ( إخوان ) ، هذا أغلب استعمالهم » . ثم حكى قول أبي حاتم السابق عن أهل البصرة ، وعقَّب عليه قائلاً :« هذا الرد من أبي حاتم إنما يتّجه على هذا النقل المطْلق ، ولا يرد على النقل الأول ؛ لأنهم قيدوه بالأغلب في الاستعمال » .

ثالثًا- ويتحصل مما تقدم : أن لفظ ( الإخوة ) يغلب استعماله في أخوة الولادة ، وأن لفظ ( الإخوان ) يغلب استعماله في أخوة الصداقة . وهذا ما نصَّ عليه الجوهري بقوله في الصحاح :« وأكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء ، والإخوة في الولادة » ، وقد يتداخل الجمعان ، فيستعمل كل منهما مكان الآخر ، إذا اقتضى المقام ذلك . هذا قول أكثر النحاة والمفسرين ، واتفقوا جميعًا على أن ( الإخوة ) جمع قلة ، وأن ( الإخوان ) جمع كثرة . وإلى هذا القول ذهب الدكتور فاضل السامرائي ، فقال في ذلك ما نصُّه :

« فالإخوة جمع قلة ، والإخوان جمع كثرة ، وأكثر ما تستعمل ( الإخوة ) في أخوة النسب .. ووردت كلمة ( الإخوان ) في اثنين وعشرين موطنًا في كتاب الله ، منها ما هو بمعنى الأصدقاء .. ومنها ما هو بمعنى النسب .. وسبب ذلك أن كل ما ورد من ( إخوان ) بمعنى الأخ في النسب ، فالخطاب فيه لعموم المؤمنين ، وليس لواحد منهم ، فاقتضى المقام الكثرة ، فجاء بصيغة إخوان الدالة على الكثرة ، بدل إخوة ، والتي هي للقلة » .

هذا القول للدكتور السامرائي هو أحد الأقوال التي استشهد بها صاحب مقال ( الدكتور فاضل السامرائي– إبداع بلا حدود ) على إبداع السامرائي الذي لا حدود له ، وهو من كتابه ( معاني الأبنية في العربية ) ، وقد ذكر السامرائي في مقدمة هذا الكتاب سبب تأليفه ، فقال :« إن اللغويين القدامى- ويا للأسف- لم يولوه ما يستحق من الأهمية ، فإنهم نظروا بصورة خاصة في شروط الصيغ ، ومقيسها ومسموعها ، وقعدّوا لذلك القواعد . أما مسألة المعنى فإنهم كانوا يمرون بها عرضًا ، وكانت دراساتهم في الأكثر منصبة على كيفية صوغ البناء ، وهل هو مسموع ، أو مقيس ، مجردًا من المعنى » .

ومن تأمل قول السامرائي السابق ، لم يجد فيه شيئًا جديدًا يدل على تأسفه من جهة ، وإبداعه المنسوب إليه من جهة ثانية سوى ما ذكره من أن « كلمة الإخوان وردت في اثنين وعشرين موطنًا في كتاب الله ، منها ما هو بمعنى الأصدقاء .. ومنها ما هو بمعنى النسب » . أما تعليله لذلك بقوله :« وسبب ذلك أن كل ما ورد من إخوان بمعنى الأخ في النسب ، فالخطاب فيه لعموم المؤمنين ، وليس لواحد منهم ، فاقتضى المقام الكثرة » فلست أدري ما علاقة ورود لفظ ( الإخوان ) في القرآن في اثنين وعشرين موضعًا ومجيئه في بعضها بمعنى الأصدقاء ، وفي بعضها الآخر بمعنى النسب بما يقول ! وكيف يكون ذلك سببًا في أن كل ما ورد من إخوان بمعنى الأخ في النسب فالخطاب فيه لعموم المؤمنين ، وليس لواحد منهم ، فاقتضى المقام الكثرة ؟ وماذا عن الآيات التي ورد فيها لفظ ( الإخوان ) بمعنى ( الأخ في الصداقة ) ، فهل جاء الخطاب فيها لواحد من الأصدقاء ، وليس لعمومهم ، فاقتضى المقام القلة ؟

أسئلة كان ينبغي على الباحث في القرآن صاحب مقال ( الدكتور فاضل السامرائي– إبداع بلا حدود ) أن يسألها لنفسه ، ويجيب عنها قبل أن يستشهد بهذا القول على إبداع السامرائي الذي لا حدود له كما يزعم . ومن يستقرىء الآيات القرآنية التي ورد فيها لفظ ( الإخوان ) ، ولفظ ( الإخوة ) يجد بينهما فرقًا من وجهين :

الوجه الأول : أن لفظ ( الإخوان ) يطلق على أخوَّة النسب في الولادة والدين ، ويطلق على أخوَّة الصداقة والوداد ؛ مثله في ذلك مثل لفظ ( الأخ ) سواء بسواء . وأما لفظ ( الإخوة ) قلا يطلق إلا على أخوَّة النسب في الولادة والدين . وبذلك يعلم أن اللفظين يشتركان في إطلاق كل واحد منهما على أخوَّة النسب في الولادة والدين ، ثم يفترقان ، فينفرد الأول في إطلاقه على أخوة الصداقة والوداد ، دون الثاني .

ومن الأمثلة على أُخُوَّة الصداقة والوداد المُعبَّر عنها بلفظ ( الإخوان ) دون لفظ ( الإخوة ) قوله تعالى :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ﴾(الأعراف: 202) . أي : إخوان الشياطين يمدون الشياطين في الغي ؛ وذلك لأن شياطين الأنس هم إخوان لشياطين الجن ، فشياطين الإنس يغوون الناس ، فيكون ذلك إمدادًا منهم لشياطين الجن على الإغواء والإضلال ؛ وذلك معنى الأخوَّة بينهم ، وهي أخوَّة صداقة ومودَّة .

ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾(الإسراء: 27) . قال ابن عاشور :« والإخوان جمع : أخ ، في الحقيقة والمجاز ، وأطلقت الأخوَّة هنا على المودَّة والصداقة » . وقال الرازي :« المراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح ؛ وذلك لأن العرب يُسمُّون الملازم للشيء أخًا له ، فيقولون : فلان أخو الكرم والجود ، وأخو السفر ، إذا كان مواظبًا على هذه الأعمال . وقيل قوله :( إخوان الشياطين ) . أي : قرناؤهم في الدنيا والآخرة ؛ كما قال :﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (الزخرف: 36) ، وقال تعالى :﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (الصافات: 22) . أي : قرناءهم من الشياطين » .

ومن ذلك قوله تعالى :﴿ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (ق: 13) . قيل : كان لوط- عليه السلام- مرسلاً إلى طائفة من قوم إبراهيم عليه السلام ، هم معارف لوط . وقيل : كانوا من أصهاره ، فسماهم الله تعالى إخوانه . فالمراد بالأخوَّة هنا أخوَّة المودة والصداقة ، وليس الأخوَّة الحقيقية من النسب .

وقوله تعالى :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾(الحجر: 47) . قال أبو حيان :« معنى إخوانًا : ذوو تواصل وتوادد » . وروي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال :« إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً ﴾ . فقال جاهل من شيعة عليّ اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني : كلا ، الله أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد . فقال علي : فلمن هذه الآية ؟ لا أمّ لك ، بفيك التراب » .

هذا النوع من الأخوَّة يعبَّر عنه بلفظ ( الإخوان ) ، دون لفظ ( الإخوة ) ، فلا تقول : هم إخوتي ، وأنت تعني أخوَّة الصداقة ؛ وإنما تقول : هم إخواني . والفرق بينهما : أنك إذا قلت : هم إخوتي ، فإنك قد تعني أخوَّة النسب في الولادة ، وقد تعني أخوَّة النسب في الدين ، وقد تعنيهما معًا . فإذا قلت : هم إخواني ، فإنك قد تعني أخوَّة الصداقة والوداد ، إضافة إلى ما عنيت بلفظ ( الإخوة ) ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، فإن الأُخُوَّة المعبَّر عنها بلفظ ( الإخوان ) أقوى من الأُخُوَّة المعبَّر عنها بلفظ ( الإخوة ) . ومن هنا قيل :« أخوَّة الدين أثبت من أخوَّة النسب ؛ لأن أخوَّة النسب تنقطع بمخالفة الدين ، وأخوَّة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب » . وكان الحسن يقول :« إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا في الدنيا ، وإخواننا يذكروننا في الآخرة » . ومن أمثالهم :« إخوان الوداد ، أقرب من إخوة الولاد » . فالأُخُوَّة على هذا مراتب ومنازل : أعلاها أخُوَّة النسب في الدين ، وأدناها أخُوَّة النسب في الولادة ، وهذه ثلاثة أنواع :

أولها : الأُخُوَّةُ التي تكون بين الإخوة الأعيان ، وهم الأشقاء من أب واحد ، وأم واحدة ؛ كالأُخُوَّة التي بين يوسف- عليه السلام- وأخوه بنيامين من أبيه وأمه .

وثانيها : الأُخُوَّةُ التي تكون بين الإخوة العَلات ، وهم الإخوة من أب واحد ، وأمهات شتى ؛ كالأخوَّة التي بين يوسف- عليه السلام- وإخوته من أبيه .

وثالثها : الأُخُوَّةُ التي تكون بين الإخوة الأَخْياف ، وهم الإخوة من أم واحدة ، وآباء شتى .

فهذه الأقسام الثلاثة من اُخُوَّةِ النسب في الولادة يشترك في التعبير عنها لفظُ ( الإخوة ) ، ولفظ ( الإخوان ) . ومن الأمثلة عليها قوله تعالى :

﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(النساء: 11) .

﴿ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (النساء: 176) .

﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) .

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء (التوبة: 23) .

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ (التوبة: 24) .

﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ (النور: 31) .

قال الألوسي في تعقيبه على الآية الأخيرة :« والمراد بالإخوان ما يشمل الأعيان ، وهم الأُخُوَّةُ لأب واحد وأم واحدة ، وبني العَلَّات وهم أولاد الرجل من نسوة شتى ، والأخْياف وهم أولاد المرأة من آباء شتى ، ونظير ذلك يقال في الأخوات » .

وأما أُخُوَّةُ النسب في الدين فهي كأخوَّة بني العَلَّات ، ويعبَّر عنها أيضًا بلفظ ( الإخوة ) ، ولفظ ( الإخوان ) ، وقد اجتمعا معًا في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات: 10) ، فسماهم الله تعالى ( إخوة ) ؛ كما سمَّاهم بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله :« المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم » ؛ لأنهم يرجعون إلى أصل واحد في النسب وهو الإسلام ، كما يرجع أولاد بني العَلاَّت إلى أصل واحد في النسب وهو الأب ، والأمهات شتى . قال الزجاج :« الدين يجمعهم ، فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم ، فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب ؛ لأنهم لآدم وحواء ، فإذا اختلفت أديانهم افترقوا في النسب » .

ثم قال تعالى :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ . أي : أصلحوا بين كل أخوين . وقرأ ابن عامر والحسن بخلاف عنه :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ ﴾ ، وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوانكُمْ ﴾ ، فجمعت هاتان القراءتان بين لفظ ( الإخوة ) ، ولفظ ( الإخوان ) ، والظاهر أن القراءة الثانية أبلغ من القراءة الأولى ؛ وذلك لما في لفظ ( الإخوان ) من معنى المبالغة .

فالمؤمنون هم ( إخوة ) وهم ( إخوان ) ؛ كما أن بني العَلَّات هم ( إخوة ) وهم ( إخوان ) . فما بينهم من الأُخُوَّة شبيه بما بين يوسف عليه السلام وإخوته ، وإن كانوا يرجعون في أصل النسب إلى آدم وحوَّاء . ومثل هذه الأُخُوَّة التي بين بني العَلَّات ، وبين المؤمنين الأخوَّة التي بين الأنبياء عليهم السلام ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« نحن معاشر الأنبياء إخْوةٌ لعَلَّاتٍ ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد » ؛ فالدين واحد ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات . ولكون هذه الأُخُوَّة أقوى وأثبت وأدوم من أُخُوَّة النسب في الولادة عبَّر عنها القرآن في أغلب الآيات بلفظ ( الإخوان ) ، بدلاً من لفظ ( الإخوة ) ؛ للعلة التي تقدم ذكرها . ومن الأمثلة عليها قوله تعالى :

﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ (التوبة: 11) .

﴿ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ لأحزاب: 5) .

فأثبت لهم سبحانه الأُخُوَّةَ الدينية ، وهي أعظم وأقوى من الأُخُوَّة النَّسَبيَّة ، وبهذه الأُخُوَّةَ استُدِلَّ في الآية الأولى على تحريم دماء أهل القبلة . ولو جاء التعبير عنها بلفظ :( إخوتكم ) بدلاً من ( إخوانكم ) ، لكان ذلك بليغًا ؛ ولكن تعبير القرآن أبلغ . وفي الحديث الذي رواه أبو هريرةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج إلى المقبرة , فقال :« السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ودِدْت أني رأيت إخواننا » . قالوا : يا رسولَ الله ! ألسنا بإخوانك ، قال :« بل أنتم أصحابي ، وإخواني الذين لم يأتوا بعدُ ، وأنا فَرَطُهُمْ على الحوض » . أي : سابقهم ؛ لأهيئ لهم طيب المنزل والمقام .

وعقَّب الطحاوي في مشكل الآثار على الحديث السابق بقوله :« قتأملنا هذين الحديثين ، فوجدنا الأخوَّة هي المصافاة التي لا غش فيها ، ولا باطن لها يخالف ظاهرها ؛ ومنها قول الله عز وجل َ:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10) . أَي : لأن مَا بينهم ، وما بعضُهم عليه لبعض ، فظاهره غير مخالف لباطنه ؛ ومنه قوله عز وجل :﴿ اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ (الحشر: 10) . ثم منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا أمر به أمَّته ، فقال :« لَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا » .

وتأمل بعد ذلك قول الله تعالى :﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾(آل عمران: 103) ، كيف أخبر سبحانه عنهم بأنهم أصبحوا ( إخوانًا ) ، بعد أن ألف بين قلوبهم ، ولم يخبر عنهم بأنهم أصبحوا ( إخوة ) ؛ لأن التعبير عن الأُخُوَّة بلفظ ( الإخوان ) أقوى وأبلغ من التعبير عنها بلفظ ( الإخوة ) ؛ ولأن الأُخُوَّة المعبَّر عنها بلفظ ( الإخوان ) تشمل أُخُوَّةَ النسب في الولادة ، والنسب في الدين ، وأخوَّة الصداقة والوداد . قال محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار تعقيبًا على الآية السابقة :« كان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم ، فوقعت بينهما عداوة قتيل ، ثم تطاولت تلك العداوة والحروب بينهم مائة وعشرين سنة ، إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام ، وألف بينهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم » .

فهذا الخبر يدل على أن الأوس والخزرج كانوا ( إخوة ) قبل أن تقع العداوة بينهم ، وبعد أن وقعت ، ثم أصبحوا ( إخوانًا ) ؛ وذلك بعد أن ألف الإسلام بين قلوبهم ، فانتقلوا بهذا التأليف من مرتبة ( الإخوة ) إلى مرتبة ( الإخوان ) . وهذه الآية الكريمة تبين لك السر في استعمال لفظ ( الإخوان ) بدلاً من لفظ ( الإخوة ) في كثير من آيات الذكر الحكيم ؛ ومنها قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ (آل عمران: 156) . قيل : المراد بالأُخُوَّة هنا أُخُوَّةُ النسب في الولادة ؛ إذ كان قتلى أحد من الأنصار وأكثرهم من الخزرج ، ولم يقتل من المهاجرين إلا أربعة . وقيل : خمسة ، ويكون القائلون منافقي الأنصار جمعهم أب قريب أو بعيد . وقيل : المراد بها أُخُوَّةُ النسب في الدين ؛ كما في قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾(آل عمران: 103) .

وقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (الحشر: 11) قيل : المراد بالأُخُوَّة هنا أُخُوَّةُ النسب في الدين واعتقاد الكفر ، وقيل : المراد أُخُوَّةُ الصداقة والوداد . وعلى القولين لا يجوز إطلاق لفظ ( الإخوة ) عليهم ؛ لأن الكفار لا يسمون ( إخوة ) بخلاف المؤمنين ؛ ولأن لفظ ( الإخوة ) لا يطلق على أُخُوَّة الصداقة والوداد ، بخلاف لفظ ( الإخوان ) . ومثل ذلك يقال في قوله تعالى :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ (الأعراف: 202) .

الوجه الثاني : أن بناء ( إخوة ) جاء على ( فِعْلَة ) ، وبناء ( إخوان ) جاء على ( فِعْلان ) ، ويقرر علماء اللغة أن ( فِعَلَة ) من أبنية جموع القلَّة ، وهي محصورة عندهم في أربعة أبنية :( أَفْعِلَةٌ ) كأرغفة ، و( َأَفْعُلٌ ) كأبحر ، و( َفِعْلَةٌ ) كَإخوة ، و( أَفْعَالٌ ) كأحمال ، ودلالتها على القلة- كما يقولون- دلالة وضعية ، وهي من الثلاثة إلى العشَرَة . وأما ( فِعْلان ) فهو من أبنية جموع الكثرة ، وهي كثيرة موضوعة لما زاد على العشرة . فالعشرة على هذا داخلة في جمع القلة . ومنهم من أخرجها منه ، وجعلها أوَّل جمع الكثرة ، وجعل التسعةُ مُنْتَهَى جمع القلَّة . والقول الأول هو قول من أدخل ما بعد ( إلى ) فيما قبلها ، والقول الثاني هو قول من لم يدخل . قال تعالى:﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (المدثر: 30) ، فجمع في هذين العددين أكثر القليل وأقل الكثير . وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه قال :« كل قليل في القرآن فهو دون العشرة » . وأما ما بعد العشَرَة فهو كثيرٌ باتفاقهم جميعًا .

هذا ، وقد نقل الصبَّان عن بعض المحققين بأن مدلول جمع الكثرة من الثلاثة إلى ما لا يتناهى ، خلافًا لما عليه الجمهور . فعلى هذا يكون الفرق بينه ، وبين جمع القلة من جهة النهاية فقط . وهذا القول– على ما قيل- هو القول السديد ؛ لأن معناه أعم ، والأخذ به يحقق المعنى المراد من كثير من أساليب العرب والقرآن ، فوق أنه يمنع التعارض والتناقض الذي قد يقع بين العدد المفرد : الثلاثة والعشرة وما بينهما ، ومعدوده حين يكون هذا المعدود من صيغ جموع الكثرة ؛ كما في قوله تعالى :﴿ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ (البقرة: 228) جمع قَرْء بفتح القاف ، وقوله تعالى :﴿ سَبْعَ سَنَابِلَ (البقرة: 261) جمع سنبلة ، وكلاهما من صيغ جموع الكثرة . فلو أخذنا بالرأي الأول ، لكان العدد في هاتين الآيتين وأشباههما دالاً على شيء حسابي معين لا يزيد على عشرة . في حين يدل المعدود على شيء يزيد على العشرة حتمًا ، وهذا هو التعارض والتناقض ، لو أخذنا بالقول الأول . أما على القول الثاني فلا وجود لهذا التعارض والتناقض .

ولقائل أن يقول : إذا كان ما بعد العشرة كثير بالاتفاق ، وأن ( إخوة ) من صيغ جموع القلة وهي موضوعة لما دون العشرة ، فكيف أخبر الله عز وجل عن إخوة يوسف بقوله :﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) ، وهم أحدَ عشَرَ أخًا ؛ كما دل عليه قوله :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا (يوسف: 4) ، والأحد عشر أخًا ليسوا بالقليل ؟ ثم كيف أخبر تعالى عن المؤمنين بأنهم إخوة في قوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾(الحجرات: 10) ، والمؤمنون كثرة ، والإخوة قلة ؟ ولمَ لمْ يخبر عنهم بما يدل على الكثرة ؛ كما أخبر عنهم بذلك في قوله تعالى :﴿ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾(آل عمران: 103) ؟ ثم إذا كان أقل الجمع ثلاثة ، فكيف قال تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾(الحجرات: 10) ، ثم عقَّب عليه بقوله :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات: 10) ؟

ويجاب عن ذلك كله بأن لفظ ( الإخوة ) ، و( الإخوان ) ، وسائر ألفاظ الجمع ، له في الاستعمال اللغوي ثلاثة أحوال :

الحال الأولى : قد يعنى به الجنس من غير قصد التعدُّد ؛ كقوله تعالى :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (النساء: 34) . قال أبو حيان في البحر :« والذي يظهر أن هذا إخبار عن الجنس لم يتعرض فيه إلى اعتبار أفراده ، كأنه قيل : هذا الجنس قوام على هذا الجنس » . ومثل ذلك قولك :« الخلان أفضل من الإخوان » . أي : هذا الجنس أفضل من هذا الجنس .

وقد يطلق لفظ الجمع ويراد به الجنس ، أو يراد به الواحد من ذلك الجنس ؛ كقوله تعالى :﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ (آل عمران: 39) . قال أبو حيان :« والظاهر أن مناديه جماعة من الملائكة لصيغة اللفظ .. وذكر الجمهور أن المنادي هو جبريل وحده ، ويؤيده قراءة عبد الله ومصحفه :( فناداه جبريل وهو قائم ) . وقال الزمخشري : وإنما قيل الملائكة على قولهم : فلان يركب الخيل . يعني : أن الذي ناداه هو من جنس الملائكة ، لا يريد خصوصية الجمع ؛ كما أن قولهم : فلان يركب الخيل لا يريد خصوصية الجمع ؛ إنما يريد مركوبه من هذا الجنس » ، وخُرِّج عليه قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (آل عمران: 173) ، فقيل : المراد من ( الناس ) الأول نعيم بن مسعود ، ومن الثاني أبو سفيان ومن معه ، فأخبر بلفظ اسم الجمع عن الواحد ، وما زاد عليه بقصد الإبهام . قال الزمخشري :« إن قلت : كيف قيل :( الناس ) ، إن كان نعيم هو المثبط وحده ؟ قلت : قيل ذلك ؛ لأنه من جنس الناس ؛ كما يقال : فلان يركب الخيل ، ويلبس البرود ، وماله إلا فرس واحد وبرد فرد . أو لأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامونه ، ويصلون جناح كلامه ، ويثبطون مثل تثبيطه » .

الحال الثانية : قد يُعنَى به العدد من غير قصد لعدد معين ؛ بل لجنس التعدُّد ؛ كـ( سبعة أبحر ) ، و( كلمات الله ) في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾(لقمان: 27) ، فـ( سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) جمع قلة يراد به الكثرة من غير قصد لعدد معين . قال الألوسي :« والمراد بالسبعة الكثرة ، بحيث تشمل المائة والألف مثلاً ، لا خصوص العدد المعروف ؛ كما في قوله عليه الصلاة والسلام : المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء » . وقال أبو حيان :« لا يراد به العدد ؛ بل ذلك إشارة إلى القلة والكثرة » . وكذلك ( كَلِمَاتُ اللَّهِ ) . قال الزمخشري :« فإن قلت : الكلمات جمع قلة ، والمواضع مواضع التكثير لا التقليل ، فهلا قيل : كلم الله ؟ قلت : معناه أن كلماته لا تفي بكتبها البحار ، فكيف بكلمة ؟ » . وغقَّب أبو حيان عليه بقوله :« وعلى تسليم أن كلمات جمع قلة ، فجموع القلة إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية أو أضيفت ، عمَّت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد » .

وعلى ذلك يحمل قوله تعالى :﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) ، وقوله تعالى :﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ (يوسف: 58) . فالمراد بإخوة يوسف- عليه السلام- الكثرة من غير قصد لعدد معين ، وليس المراد به القلة ؛ لأنهم أكثر من عشرة ، بدليل قوله :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا (يوسف: 4) ، وما فوق العشرة كثير باتفاقهم . ومثل لفظ ( الإخوة ) هنا في دلالته على العدد من غير قصد لعدد معين لفظ ( الإخوان ) قي نحو قوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾(الإسراء: 27) .

الحال الثالثة : قد يُعنَى به الاثنان وما زاد عليهما ؛ كلفظ ( إخوة ) في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات: 10) ؛ وكأنه قيل : إنما المؤمنون : أخوين ، أخوين ، ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ . هكذا قرأ الجمهور بلفظ التثنية . وقرأ ابن عامر والحسن بخلاف عنه :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ ﴾ ، وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوانكُمْ ﴾ . قال أبو الفتح :« وقراءة الجمع تدل على أن قراءة الجمهور لفظها لفظ التثنية ، ومعناها الجماعة . أي : كل اثنين ، فصاعدًا من المسلمين اقتتلا » . أما الرازي فقال :« وقراءة الجماعة أبلغ لدلالتها على الاثنين فما فوقهما بالمطابقة » . ونظير ذلك قوله تعالى :﴿ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين (النساء: 11) . فلفظ ( نساء ) اسم جمع صالح للثِّنتين فما فوقهما ؛ ولذلك حسُن تقييده بقوله تعالى :﴿ فَوْقَ اثنتين . ولو لم يكن كذلك ، لما كان لهذا القيد أي فائدة .

ومن ذلك أيضًا قوله تعالى :﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(النساء: 11) . أي : أخوان فأكثر . قال الألوسي : الجمهور على أن المراد بالإخوة عدد ممن له إخوة من غير اعتبار التثليث ، سواء كانوا من الإخوة أو الأخوات ، وسواء كانوا من جهة الأبوين أو من جهة أحدهما . وخالف ابن عباس في ذلك ، فإنه جعل الثلاثة من الإخوة والأخوات حاجبة للأم دون الاثنين ، فلها معهما الثلث عنده ، بناءً على أن الإخوة صيغة جمع ، فلا يتناول المثنى . وبهذا حاج عثمانَ ابنُ عباس رضي الله تعالى عنهما ، فقد أخرج ابن جرير والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال : إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث ، وتلا الآية ، ثم قال : والأخوان ليسا بلسان قومك إخوة ، فقال عثمان : لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ، ومضى في الأمصار وتوارث به الناس » .

وذكر ابن كثير الخبر السابق عن ابن عباس مرويًّا عن البيهقي ، من طريق شُعْبة مولى ابن عباس ، ثم عقَّب عليه قائلاً :« وفي صحة هذا الأثر نظر ؛ فإن شُعْبَة هذا تكلَّم فيه مالك بن أنس ، ولو كان هذا صحيحًا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصَّاء به ، والمنقول عنهم خلافه » . وسواء صح هذا الأثر عن ابن عباس أم لم يصح ، فإنه معارض بما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن أبيه من أنه قال :« الأخَوان تُسمَّى إخوة » ، وبما أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت ، من أنه كان يحجب الأم بالأخويْن ، فقالوا له : يا أبا سعيد : إن الله تعالى يقول :﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ﴾(النساء: 11) ، وأنت تحجبها بأخويْن ؟ فقال : إن العرب تسمِّي الأخويْن إخوة » . فهذان الخبران يعارضان الخبر السابق عن ابن عباس ، ويوافقان ما أجمع عليه جمهور الصحابة من أن حكم الأخوين في حجب الأم عن الثلث إلى السُدُس حكم الإخوة ، وحكمها في الحجب هنا ؛ كحكم البنتين أو الأختين في الميراث ، فإن الأمة مُجمعةٌ على أن قوله تعالى :﴿ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ (النساء: 11) يدخل في حكمه البنتان أو الأختان ، وإن اختلفوا في كيفيَّة دخولهما في الحكْم ؛ فهكذا دخول الأخوين في الإخوة .

ومما يدل على ذلك- كما قال ابن قيم الجوزية- أنه سبحانه وتعالى قال :﴿ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ (النساء: 12) . فقوله تعالى :﴿ فَإِنْ كَانُوا ﴾ جمع ، ثم قال :﴿ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ، فذكرهم بصيغة الجمع المضمَر ، وهو قوله تعالى :﴿ فَهُمْ ، وصيغة الجمع المظهَر ، وهو قوله :﴿ شُرَكَاءُ ﴾ ، ولم يذكر سبحانه قبل ذلك إلا قوله تعالى :﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ﴾ ، فذكر حكم الواحد ، وحكم اجتماعه مع غيره ، وهو يتناول الاثنين قطعًا ؛ فإن قوله تعالى :﴿ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . أي : أكثر من أخ أو أخت ، ولم يُرِدْ أكثر من مجموع الأخت والأخ ؛ بل أكثر من الواحد ، فدلَّ على أن صيغة الجمع في الفرائض تتناول العدد الزَّائد على الواحد مطلقًا ، اثنان كان ذلك العدد ، أو ثلاثةً ، أو أكثرَ ِمن ذلك . ونظير ذلك قوله تعالى :﴿ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فلفظ ( إخوة ) هنا يتناول الأخ الواحد ، والأخت الواحدة ؛ كما يتناول من فوقهما .

ومما يوضِّح ذلك أن لفظ الجمع قد يختصُّ بالاثنيْن مع البيان وعدم اللَّبْس ، كالجمع المضاف إلى اثنين ، مما يكون المضاف فيه جزءًا من المضاف إليه ؛ نحو جمع ( قلب ) في قوله تعالى :﴿ إِنْ تَتُوبَا فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (التحريم: 4) ، وجمع ( يد ) في قوله تعالى :﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا (المائدة: 38) ؛ فكذلك يتناول الاثنيْن فما فوقهما ، مع البيان بطريقِ الأوْلى . حكى سيبويه عن أستاذه الخليل ، فقال :« وسألتُ الخليل رحمه الله عن : ما أحسنَ وجوهَهما ! فقال : لأن الاثنين جميعٌ . وهذا بمنزلة قول الإثنين : نحن فعلنا ذاك ؛ ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا ، وبين ما يكون شيئًا من شيء . وقد جعلوا المفردين أيضًا جميعًا . قال الله جلّ ثناؤه :﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ (ص: 21) . وقد يثنّون ما يكون بعضًا لشيء ، زعم يونس أن رؤبة كان يقول : ما أحسنَ رأسيهما . وقالوا : وضعا رحالهما ، يريد : رحلَيْ راحلتين . وحدُّ الكلام أن يقول : وضعت رحلي الراحلتين ، فأجرَوه مجرى شيئين من شيئين » . فثبت بذلك أن استعمال الاثنين في الجمع ، والجمع في الاثنين بقرينة جائز ؛ بل واقع .

نخلص مما تقدم إلى أن للجمع ثلاثة أحوال :

أحدها : اختصاصه بالاثنيْن ؛ نحو قوله تعالى :﴿ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ (المائدة: 6) ، ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا (المائدة: 38) ، ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾(الحج: 19) ، ﴿ إِنْ تَتُوبَا فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (التحريم: 4) .

الثانية : صلاحيته لهما ؛ نحو قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ (الحجرات: 10) ، ﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(النساء: 11) ، ﴿ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين (النساء: 11) .

الثالثة : اختصاصه بما زاد عليهما . وهذه الحال له عند إطلاقه ؛ كقولك : عندي إخوة أو إخوان ، وله عليَّ دراهم . أي : ثلاثة وما زاد على ذلك . وأما عند تقييده فبحسَب ما قُيِّدَ به ، وهو حقيقةٌ في الموضعيْن ، فإن اللفظ تختلف دلالته بالإطلاق والتقييد ، وهو حقيقة في الاستعمالين .

فظهر بذلك أن فهم جمهور الصحابة في مسألة حجْب الأم بالاثنين أحسنُ من فهم ابن عبَّاس ، وبه يعلم أن الحكم في ذلك كله للسياق ؛ لأنه هو المحدد الأساس لدور الكلمة في الاستعمال اللغوي ، وليس للقوالب الجامدة التي تبتعد عن روح النص . وفرق كبير بين أن تقول : هم الإخوة والإخوان ، وهم إخوتي وإخواني ، وعندي إخوة وإخوان ، وكان لي إخوة أو إخوان أربعة .. والله تعالى أعلم !

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق