الأحد، 12 فبراير 2012

حكم الأرجل بين المسح والغسل


قال الله عز وجل :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (المائدة:6) ، فبيَّن سبحانه فرائض الوضوء وأحكامه بنوع من التفصيل ؛ إذ بيَّن المغسول والممسوح من الأعضاء ، كما بين حد اليدين والرجلين ، ثم جاءت السنَّة الشريفة ، فزادت هذه الأحكام بيانًا وتفصيلاً .

أولاً- وقيل في سبب نزول هذه الآية : أنها نزلت في قصة عائشة- رضي الله عنها- حين فقدت العقد بسبب فقد الماء ، ومشروعية التيمم ، وكان الوضوء متعذرًا عندهم ؛ وذلك في غزوة بني المصطلق ، وفيها كان هبوب الريح ، وقول عبد الله بن أبي بن سلول : لئن رجعنا إلى المدينة ، وحديث الإفك . وقال علقمة ، وهو من الصحابة : إنها نزلت رخصة للرسول- صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان لا يعمل عملاً إلا على وضوء ، ولا يكلم أحدًا ، ولا يرد سلامًا على غير ذلك ، فأعلمه الله عز وجل أن الوضوء إنما هو عند القيام إلى الصلاة فقط ، دون سائر الأعمال .

ومناسبة الآية لما قبلها : أن الله عز وجل لما افتتح سورة المائدة بقوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (المائدة:6) ، وذكر عقب ذلك تحليلاً وتحريمًا في المَطعَم والمَنكَح ، وكان النوعان من لذات الدنيا الجسمية ومهماتها للإنسان ، وهي معاملات دنيوية بين الناس بعضهم من بعض ، استطرد سبحانه منها إلى المعاملات الأخروية التي هي بين العبد وربه . ولما كان أفضل الطاعات بعد الإيمان الصلاة ، والصلاة لا تمكن إلا بالطهارة ، بدأ بالطهارة وفرائض الوضوء ، ثم ذكر البدل عنه عند تعذر الماء ، وهو التيمم ؛ وذلك قوله تعالى :

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ (المائدة:6) .

ثانيا- وفرائض الوضوء المنصوص عليها في هذه الآية الكريمة أربعة :

الأول : غسل الوجوه ﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ، وحدَّه العلماء بما يدخل في مسمَّى الوجه ، وما تحصل به المواجهة ؛ وذلك من الأذن إلى الأذن عرضًا ، ومن منابت شعر الرأس إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً مع مسترسل اللحية ؛ لأن هذا هو الذي تحصل به المواجهة . ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق بالسنة ، ويدخل فيه الشعور التي فيه ؛ لكن إن كانت خفيفة فلا بد من إيصال الماء إلى البشرة ، وإن كانت كثيفة اكتفي بظاهرها .

الثاني : غسل الأيدي ﴿ وَأَيْدِيَكُمْ ﴾ ، وقد حدها الله تعالى بقوله :﴿ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ . والمرافق جمع مرفق ، ويقال لما بعد الأيدي مما يرتفق عليه . أي : يتكأ . ومذهب الجمهور أن ( إِلَى ) هنا بمعنى ( مع ) . أي : مع المرفقين ، وأيدوا هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الماء على مرفقيه . وهذا القول خطأ ؛ لأن اليد عند العرب من الأصابع إلى الكتف ؛ وإنما فرض غسل بعضها . فلو كانت ( إلى ) بمعنى ( مع ) ، وجب غسل اليد كلها ، ولم يحتج إلى ذكر المرافق ؛ لأنها من اليد .

ومعنى ( إلى ) هنا : الغاية ، فهي على بابها ، والمحققون من أهل اللغة قالوا : إذا كان ما بعد ( إلى ) من جنس ما قبلها ، دخل في حكمه ؛ كقوله تعالى :﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ . فالمرافق داخلة في الغسل . وإذا كان ما بعدها ليس من جنس ما قبلها ، لم يدخل في حكمه ؛ كقوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ﴾(البقرة:187) .

الثالث : المسح بالرؤوس ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾ ، وحكمه : أنه يجب مسح الرأس جميعه ؛ لأن ( الباء ) ليست بزائدة ، وليست للتبعيض ، أو الآلة ؛ وإنما هي للإلصاق ، فأفادت أن الغسل يعم الرأس جميعه . وللوقوف على اختلاف العلماء والفقهاء في هذه المسألة ، وحقيقة القول فيها يمكن الرجوع إلى مقال : ( وامسحوا برؤوسكم ) .

الرابع : مسح الأرجل وغسلها ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ ، وقد حدَّهما الله عز وجل بقوله :﴿ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، والكعبان هما حدَّا الوضوء بإجماع الجمهور ، وهما العظمان البارزان عند ملتقى الساق بالقدم ، خلافًا لمن جعل حدَّهما إلى العظم الذي في وجه القدم .

ثالثًا- وقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خطاب للذين آمنوا ، وهو خطاب مدح لهم ، جمع بين نداء النفس ونداء القلب ونداء الروح ؛ لأن النداء يُستَدعَى به إقبالُ المُنادَى على ما سيُلقَى عليه بنفسه وقلبه وروحه ، وهو من الإطناب البليغ . قال الزمخشري :« كرر النداء في القرآن بـ﴿ يَا أَيُّهَا ، دون غيره ؛ لأن فيه أوجهًا من التأكيد ، وأسبابًا من المبالغة ؛ منها : ما في ( يا ) من التأكيد والتنبيه ، وما في ( ها ) من التنبيه ، وما في التدرُّج من الإبهام في ( أيّ ) إلى التوضيح ، والمقام يناسبه المبالغة والتأكيد » . وقال سيبويه في ( يَا أَيُّهَا ) :« الألف والهاء لحقت ( أيّا ) توكيدًا ؛ فكأنك كررت ( يا ) مرتين ، وصار الاسم تنبيهًا » .

وقد وقع الخطاب في القرآن بقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لأهل المدينة الذين آمنوا وهاجروا ، تمييزًا لهم عن أهل مكة الذين وقع الخطاب لهم بقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، وحكمة ذلك أنه يأتي بعد ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) الأمر بأصل الإيمان ؛ كقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾(البقرة:21) ، ويأتي بعد ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ) الأمر بتفاصيل الشريعة ؛ كما في هذه الآية ، وإن جاء بعدها الأمر بالإيمان كان من قبيل الأمر بالاستصحاب .

رابعًا- وقوله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا تأويله عند جمهور المفسرين : إذا أردتم القيام إلى الصلاة والاشتغال بها ، فاغسلوا . قال الألوسي :« فعبَّر عن إرادة الفعل بالفعل المسبَّب عنها مجازًا ، وفائدته الإيجاز ، والتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها ، بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة . وقيل : يجوز أن يكون المراد : إذا قصدتم الصلاة ، فعبر عن أحد لازمي الشيء بلازمه الآخر » .

وقال الرازي :« اعلم أن المراد بقوله :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ليس نفس القيام ، ويدل عليه وجهان : الأول : أنه لو كان المراد ذلك ، لزم تأخير الوضوء عن الصلاة ، وأنه باطل بالإجماع . الثاني : أنهم أجمعوا على أنه لو غسل الأعضاء قبل الصلاة قاعدًا أو مضطجعًا ، لكان قد خرج عن العهدة ؛ بل المراد منه : إذا شمَّرتم للقيام إلى الصلاة وأردتم ذلك . وهذا ، وإن كان مجازًا ، إلا أنه مشهور متعارف » .

والمحققون من أهل اللغة يقولون : إن قول القائل :« إذا فعلت ، فافعل كذا » ، يكون على ثلاثة أضرب :

أولها : أن يكون المأمور به بعد الفعل ؛ ومثاله قوله تعالى :﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ (المائدة:2) ، وقوله :﴿ إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾(الجمعة:9) . فالمأمور به هنا يقع بعد الفعل ، وهو الاصْطِياد ، والسَّعْيُ إلى ذكر الله تعالى .. وهذا هو الأصل في جواب الشرط أن يقع بعد فعل الشرط .

والثاني : أن يكون المأمور به مع الفعل ؛ ومثاله قولك :« إذا قرأت القرآن فَتَرَسَّل » . أي : تَأنَّ ، ولا تَعْجَل . وفي المستدرك على الصحيحين عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لبلال :« إذا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّل في أذانك ، وإذا أقمْتَ فاحْدُرْ » . والترَسُّلُ في الأذان : قطع الكلمات بعضها عن بعض ، والتأني في التلفظ بها . والحَدْرُ في الإقامة : الإسراع والتعجيل في التلفُّظ بكلماتها . والحَدْرُ من كل شيء : تَحَدُّرُه من علو إلى سُفْلٍ . فالمأمور به هنا يقع مع الفعل ، لا يتقدم عليه ولا يتأخر .

والثالث : أن يكون المأمور به قبل الفعل ؛ ومثاله قوله تعالى :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ ﴾(النحل:98) ، وقوله تعالى :﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ (المائدة:6) . فالمأمور به هنا يقع قبل الفعل ، ولا يجوز أن يتأخر عنه .

وإذا عُلِم ذلك ، فلا داعي لتكلُّف تقدير فعل الإرادة قبل فعل الشرط . ولو كان هذا الفعل مرادًا لأتُي به ؛ كأن يقال : ( فإذا أردتم القيام إلى الصلاة ) ؛ كما أُتِيَ به في قوله تعالى :﴿ وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً (النساء:20) . فكما لا يجوز هنا أن يقال : وإن استبدلتم زوجًا مكان زوج بإسقاط ( أردتم ) ؛ فكذلك لا يجوز أن يقال في قوله تعالى هنا ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ : إذا أردتم القيام إلى الصلاة بزيادة ( أردتم ) .

خامسًا- وفي ( الأرجل ) من قوله تعالى :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قراءتان متواترتان مشهورتان :

الأولى :﴿ وَأرْجُلِكُمْ بالخفض ، وهي قراءة ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وحمزة ، وابن كثير .

والثانية :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب ، وهي قراءة علي ، وعبد الله بن مسعود ، وابن عباس في رواية ، وإبراهيم ، والضحَّاك ، ونافع ، وابن عامر ، والكسائيُّ ، وحفص عن عاصم .

ومن هنا اختلف العلماء والفقهاء في حكم الأرجل بين المسح والغسل ، وكثر في ذلك خصامهم وزلت أقدامهم ؛ ولذلك جاءت أقوالهم متغايرة ، وآراؤهم متباينة ؛ فمنهم من قال : الحكم في الأرجل المسح . ومنهم من قال : الحكم فيها الغسل . وقال داود : يجب الجمع بين المسح والغسل ، وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية ، ونسب إلى الحسن البصري والإمام الطبري خطأً القول بالتخيير بين المسح ، والغسل .

واحتجَّ من رأى المسح واجبًا بقراءة الخفض ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأرْجُلِكُمْ ، فظاهر هذه القراءة يقتضي أن تكون الأرجل معطوفة على الرؤوس ، فكما وجب المسح بالرؤوس ، وجب مسح الأرجل . وإلى هذا ذهب أبو جعفر الباقر ، وهو مذهب الإمامية من الشيعة ، ومن قال بمقالتهم ، قالوا :« ليس في الرجلين إلا المسح » ؛ ولهذا ردُّوا قراءة نصب الأرجل إلى قراءة الخفض ، فقالوا : إنها تقتضي المسح أيضًا ؛ لأن العطف حينئذ على محل الرؤوس لقربه ، فيتشاركان في الحكم ، ثم قالوا : ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار ؛ لأنها بأسرها من باب الآحاد ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز .

وفى التهذيب عن الباقر أنه سُئِل عن قول الله عَزَّ وجَلَّ ﴿ وَأرْجُلِكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ : على الخفض هي ، أم على النصب ؟ فقال :« بل هي على الخفض » . ثم قال :« أقول : وعلى تقدير القراءة على النصب أيضًا تدل على المسح ؛ لأنها تكون حينئذ معطوفة على محل الرؤوس ؛ كما تقول : مررت بزيد وعَمْرًا ؛ إذ عطفهما على الوجوه خارج عن قانون الفصاحة ؛ بل عن أسلوب العربية » ، ثم روى من الأخبار عن أهل البيت ما يشهد لمذهبه .

ومن الذين ذهبوا هذا المذهب علي بن حزم ، ونصُّ قوله في ذلك :« وأما قولنا في الرجلين ، فإن القرآن نزل بالمسح ، قال الله تعالى :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ ؛ وسواء قرئ بخفض اللام ، أو بفتحها فهي على كل حال عطف على الرؤوس ؛ إما على اللفظ ، وإما على الموضع ، لا يجوز غير ذلك ؛ لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة » .

وقال الحلبي الحنفي :« والصحيح أن الأرجل معطوفة على الرؤوس في القراءتين ، ونصبها على المحل ، وجرها على اللفظ ؛ وذلك لامتناع العطف على المنصوب للفصل بين العاطف والمعطوف بجملة أجنبية ، والأصل ألا يفصل بينهما بمفرد فضلاً عن الجملة » .

وأما من رأى الغسل واجبًا فقد احتج بقراءة النصب ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأرْجُلَكُمْ ؛ فهذه القراءة دالة على أن الأرجل من الأعضاء المغسولة . روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس أنه قرأ :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ بالنصب ، ثم قال :« عاد الأمر إلى الغسل » . وقد تأولوا ذلك على أن الأرجل معطوفة على قوله تعالى :﴿ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ﴾ . وعليه تكون جملة ﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ﴾ معترضة بين المتعاطفين . قالوا : وكان مقتضى الظاهر أن تتصل المغسولات بعضها ببعض ، وتذكر قبل الممسوح أو بعده ؛ لأن المغسولات متماثلة ، والعرب لا تفصل بين المتماثلات إلا لحكمة ، والحكمة هنا هي إفادة وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء في الطهارة على نمط الترتيب الماثل في هذه الآية الكريمة .

أما قراءة الخفض ﴿ وَأرْجُلِكُمْ فتأوَّلوها على أوجه :

أحدها : أن الأرجل مخفوضة على الجوار ؛ كما في قولهم :« هذا جُحرُ ضَبٍّ خَرِبٍ » .

والثاني : أنها مجرورة بفعل محذوف يتعدى بالباء . تقديره : وافعلوا بأرجلكم الغسل ، ثم حذف الفعل وحرف الجر .

والثالث : أن الأرجل لما كانت من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها ، كانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه ، فعطفت على الثالث الممسوح ، لا لتمسح ؛ ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها . وقيل : ( إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ، فجيء بالغاية ؛ إماطة لظنِّ ظانٍّ يحسبها ممسوحة ؛ لأن المسح لم تضرب له غاية في الشريعة .

والرابع : أن المسح والغسل واحد . روي عن أبي زيد الأنصاري وغيره من أهل اللغة : أن العرب تسمي الغسل الخفيف مسحًا ، ويقولون : تمسَّحت للصلاة ، بمعنى : غسلت أعضائي . ويقال : مسح الله تعالى ما بك . أي : أزاله عنك . ومسح المطرُ الأرضَ ، إذا غسلها . فإذا عطفت الأرجل على الرؤوس في قراءة الخفض ، لا يتعين كونها ممسوحة بالمعنى الذي يدعيه القائلون بوجوب المسح من الشيعة وغيرهم .

والخامس : أن المسح الذي نزل به القرآن منسوخ بالسنة التي جاءت بالغسل . وفي رواية عن أنس قال :« نزل القرآن بالمسح والسنَّة بالغسل » . وزعم ابن عاشور أن هذا أحسن ما قيل في تأويل هذه القراءة . ومن قبله زعم السيوطي أنه لا إشكال في الآية بحسب القراءتين عند المخيرين ؛ إلا أنه يمكن أن يدعى لغيرهم أن ذلك كان مشروعًا أولاً ، ثم نسخ بتعيين الغسل ، وبقيت القراءتان ثابتتين في الرسم .

وذهب أبو جعفر الطبري- خلافًا لما نقل عنه- إلى أن أعجب القراءتين إليه قراءة من قرأ ﴿ وَأرْجُلِكُمْ بالخفض ، وأن الصواب من القول عنده :« أن الله عزّ ذكره أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم . وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ ، كان مستحقًّا اسم : ماسحٍ غاسلٍ ؛ لأن غسلهما إمرار الماء عليهما أو إصابتهما بالماء ، ومسحهما إمرار اليد أو ما قام مقام اليد عليهما . فإذا فعل ذلك بهما فاعل ، فهو : غاسل ماسح » .

وجمهور الأمة من الصحابة والتابعين على القول بوجوب الغَسل ، فقد أجمعوا على أن الفرض في الرجلين الغَسل على القراءتين ، وأن المسح لا يجزىء ، فضلاً عن أنه مخالف للكتاب والسنة . وهذا ما صرح به الشيخ بن تيمية في قوله :« غسل القدمين في الوضوء منقول عن النبي نقلاً متواترًا ؛ كحديث :« ويل للأعقاب من النار » . وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين ، ونقل عنه المسح على القدمين في موضع الحاجة ؛ مثل أن يكون في قدميه نعلان يشق نزعهما . وأما مسح القدمين مع ظهورهما جميعًا فلم ينقله أحد عن النبي ، وهو مخالف للكتاب والسنة . أما مخالفته للسنة فظاهر متواتر . وأما مخالفته للقرآن فلأن قوله تعالى :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ فيه قراءتان مشهورتان : النصب ، والخفض . فمن قرأ بالنصب ، فإنه معطوف على الوجه واليدين . والمعنى : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وامسحوا برؤوسكم . ومن قرأ بالخفض ، فليس معناه : وامسحوا أرجلكم- كما يظنه بعض الناس- لأوجه :

أحدها : أن الذين قرؤوا ذلك من السلف ، قالوا : عاد الأمر إلى الغسل .

والثاني : أنه لو كان عطفًا على الرؤوس ، لكان المأمور به مسح الأرجل ، لا المسح بها . والله إنما أمر في الوضوء والتيمم بالمسح بالعضو ، لا مسح العضو » .

سادسًا- وفي الإجابة عن ذلك كله نقول بعون الله وتعليمه :

1- مسح الأرجل وغسلها واجبان جميعًا ، فالمسح واجب على قراءة من قرأ :﴿ وَأَرْجُلِكُمْ ﴾ بالخفض ، والغسل واجب على قراءة من قرأ :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ بالنصب ، ولا تعارض بين القراءتين ، خلافًا لمن قال بوجوب المسح وحده ، أو الغسل وحده ، على القراءتين ؛ إذ ليس في لفظ الآية ما ينفي وجوب غسل الأرجل ، وفيه ما يوجب مسحها . فالمسح واجب مع قلة الماء ، والغسل واجب مع توفر الماء . فإن فُقِد الماء وتعذَّر الوضوء ، وجب التيمم بنصِّ قوله تعالى :﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾(المائدة:6) . وهذا هو سبب نزول هذه الآية الكريمة ، فكيف يشرع التيمم بسبب فقد الماء ، ولا يشرع مسح الأرجل مع قلة الماء ؟ وكيف يجزىء في التيمم المسح بالوجوه والأيدي ﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾(المائدة:6) ، ولا يجزىء في الوضوء مسح الأرجل ؟ وماذا يفعل المُتوضِّىءُ ، إن كان ما عنده من الماء لا يكفيه لغسل رجليه إلى الكعبين مع وجهه ، ويديه إلى المرفقين ؟ فليتأمل هذا المتأملون .

2- قوله تعالى :﴿ وَأَرْجُلٍكُمْ ﴾ على قراءة الخفض ، معطوف على لفظ ﴿ بِرُءُوسِكُمْ ﴾ ، وهو من باب عطف المفردات . ولا يمنع من هذا العطف- كما قيل- تقدير الأرجل بقوله :﴿ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وإن لم يكن المسح بالرؤوس مقدَّرًا ، خلافًا لقائله . ويدلك عليه عطف الأيدي المقدَّرة بقوله تعالى :﴿ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ على الوجوه غير المقدَّرة في قوله :﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ﴾ . فكما جاز عطف الأيدي المقدَّرة على الوجوه غير المقدَّرة في الغسل ؛ كذلك جاز عطف الأرجل المقدَّرة على الرؤوس غير المقدَّرة في المسح .

3- قوله تعالى :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ على قراءة النصب ، منصوب على القطع بفعل محذوف تقديره :( واغسلوا أرجلكم ) ، والجملة معطوفة على ما قبلها ، والمعنى :( وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ ) ، ( واغْسِلُوا َأَرْجُلَكُمْ ) . وقد دل على هذا التأويل الانتقال من الخفض في الرؤوس إلى النصب في الأرجل ، تنبيهًا على وجوب غسلها . ونحو ذلك قوله تعالى :﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ ﴾(البقرة:177) ، فأتى لفظ ( الصابرين ) منصوبًا على سبيل القطع بفعل محذوف تقديره :( وَأَمْدَحُ الصَّابِرِينَ ) ، تنبيهًا على فضيلة الصبر ومزيَّته على سائر الأعمال حتى كأنه ليس من جنس الأول ؛ كذلك قوله تعالى :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ ﴾ منصوب بفعل محذوف ، تقديره :( واغسلوا أرجلكم ) ، وهذا هو معنى قول السلف :« عاد الأمر إلى الغَسل » .

أما القول بأن الأرجل معطوفة على الأيدي والوجوه ، والمعنى : فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم إلى الكعبين ، وامسحوا برؤوسكم ، فهو قول بعيد لا يتناسب مع بلاغة القرآن وفصاحته ، وقد عقَّب عليه أبو حيان بقوله :« وفيه الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض ؛ بل هي منشئة حكمًا » . وإذا كان العُكْبُرِيُّ قد زعم أن هذا التأويل « جائز بلا خلاف » ، فإن ابن عصفور- وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه- قال :« وأقبح ما يكون ذلك بالجمل » ، فدل قوله هذا- كما قال أبو حيان- على أنه ينزه كتاب الله تعالى عن هذا التخريج الذي ذهبوا إليه .

وأما القول بأن الأرجل معطوفة على موضع الرؤوس ، وأن الفرض فيها المسح ، فليس كذلك ؛ لأن الرؤوس مخفوضة لفظًا ومعنى ، ولا يجوز العطف على موضعها إلا على القول بزيادة الباء ، وهو قول باطل ؛ لأن معنى قولك : مسح برأسه ، ليس كمعنى قولك : مسح رأسه . ومن الغريب أن يتبنى هذا القول عالم كبير كالطبرسي ، ويتخذ منه دليلاً على وجوب مسح الأرجل ، ويصف القول بتقدير فعل قبل الأرجل بالضعف والشذوذ ، مع وجود شواهد له في كلام العرب والقرآن الكريم .

4- أما القول بأن الأرجل مخفوضة على الجوار فباطل من وجوه :

أولها : أن الخفض على الجوار معدود في اللحن ، ولا يلجأ إليه إلا الشعراء من أجل الضرورة الشعرية ، وكلام الله تعالى ينبغي أن ينزه عن ذلك . حكى الزبيدي وابن منظور عن أبي إسحاق النحوي أنه قال :« الخفض على الجوار لا يجوز في كتاب الله عز وجل ؛ وإنما يجوز ذلك في ضرورة الشعر » .

وثانيها : أن الخفض على الجوار إنما يصار إليه ، حيث حصل الأمن من الالتباس ، كما فيما استشهدوا به من قولهم :« هذا جُحرُ ضَبٍّ خَرِبٍ » ، وفي الآية الأمن من الالتباس غير حاصل .

وثالثها : أن الخفض على الجوار إنما يكون بدون أداة العطف ، وأما مع أداة العطف فلم تتكلم به العرب . قال أبو حيان :« ومن أوجب الغسل تأول أن الجر هو خفض على الجوار ، وهو تأويل ضعيف جدًّا ، ولم يرد إلا في النعت ، حيث لا يلبس على خلاف » . وعقَّب في موضع آخر على قول أبي إسحاق الشيرازي الذي ذهب إلى أن القرآن ولسان العرب يشهدان بجواز الخفض على الجوار ، فقال :« وهذا حديث من قصَّر في العربية ، وتطاول إلى الكلام فيها بغير معرفة ، وعدل عن حمل اللفظ على معناه الصحيح ، وتركيبه الفصيح » .

5- وأما القول بأن الأرجل مجرورة بفعل محذوف يتعدى بالباء ، تقديره : ( وافعلوا بأرجلكم الغسل ) ، ثم حذف الفعل وحرف الجر ، فلا يخفى أن الحذف والتقدير خلاف الأصل في الكلام ، لا يصار إليه إلا مع القرينة ، وعند الضرورة . ولا قرينة هنا تدل على الحذف ، ولا ضرورة تدعو إليه ؛ ولهذا وصفه أبو حيان بأنه تأويل في غاية الضعف . وإنما جاز نصب الأرجل في قراءة النصب بفعل محذوف ؛ لوجود القرينة الدالة على الحذف ، وهي الانتقال من الخفض إلى النصب ، ولقول السلف في هذه القراءة :« عاد الأمر إلى الغَسل » .

6- وأما القول بأن الأرجل لما كانت من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها ، كانت مظنة للإسراف المذموم المنهي عنه ، فعطفت على الثالث الممسوح ، لا لتمسح ؛ ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها ، فهو كما قال أبو حيان :« في غاية التلفيق ، وتعمية الأحكام » .

7- وأما القول بـ« أن المسح والغسل واحد » فيجاب عنه بأن إطلاق المسح على الغسل ، إن صحَّ ، فإنه لا يصحُّ أن يكون مرادًا هنا ؛ لأن القرآن فرَّق في التعبير بينهما ، وكذلك العرف فرق بين مسح الشيء بالماء ، وغسله ؛ بل يعتبر المأمور بمسح الشيء مؤاخذًا إذا غسله ؛ لأنه لم ينفذ الأمر المطلوب ، فكيف يكون المسح والغسل بمعنى واحد ؟

وأما ما رواه أبو زيد الأنصاري عن العرب من قولهم :« تمسَّحْتُ للصلاة » ، فالمعنى فيه : أنهم لما أرادوا أن يخبروا عن الطهور بلفظ موجز ولم يجز أن يقولوا : تغسَّلت للصلاة ؛ لأن ذلك تشبيه بالغُسل ، قالوا بدلاً من ذلك تمسَّحت ؛ لأن المغسول من الأعضاء ممسوح أيضًا ، فتجوَّزوا لذلك تعويلاً على أن المراد مفهوم . وهذا لا يقتضى أن يكونوا جعلوا المسح من أسماء الغسل . وأغرب من هذا وأعجب ما ذهب إليه الطبري من « أن الله عزّ ذكره أمر بعموم مسح الرجلين بالماء في الوضوء ، كما أمر بعموم مسح الوجه بالتراب في التيمم . وإذا فعل ذلك بهما المتوضئ ، كان مستحقًّا اسم : ماسحٍ غاسلٍ » . ولست أدري كيف يستحق الماسح لرجليه في الوضوء ، والماسح لوجهه في التيمم اسم : ماسح غاسل ، أو غاسل ماسح كما قال ؟

8- وأما القول بأن المسح الذي نزل به القرآن منسوخ بالسنة التي جاءت بالغسل فلا يخفى- كما قال الألوسي- أنه أوهن من بيت العنكبوت ، وإنه لأوهن البيوت . وقد روى عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال :« السنة قاضية على الكتاب ، وليس الكتاب بقاض على السنة » . أراد أن السنة مبينة للكتاب منبئة عما أراد الله تعالى فيه ، أما أن تكون السنة ناسخة للقرآن فهذا مما لا يقول به عالم .

9- وأما قول ابن تيمية :« إن من قرأ بالخفض ، فليس معناه : وامسحوا أرجلكم ، كما يظنه بعض الناس ، وأنه لو كان عطفًا على الرؤوس ، لكان المأمور به مسح الأرجل ، لا المسح بها ، والله إنما أمر في الوضوء والتيمم بالمسح بالعضو لا مسح العضو » . فالجواب عنه : أن الله تعالى أمر بالمسح بالرؤوس في الوضوء ، والمسح بالوجوه في التيمم ، وأمر مسح الأرجل في الوضوء ، ومسح الأيدي في التيمم . ولو كان أمر بالمسح بهما ، لوجب أن يقال : وامسحوا برؤوسكم وبأرجلكم .. فامسحوا بوجوهكم وبأيديكم ، بإعادة باء الإلصاق في الثاني منهما . فلما قال الله تعالى :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأرْجُلِكُمْ ﴾ ، ﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ﴾ ، بإسقاط الباء من الأرجل والأيدي ، عُلِمَ أن المراد مسحها ، لا المسح بها .

10- وأما قوله بأن غسل الأرجل منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً متواترًا ؛ كحديث :« ويل للأعقاب من النار » ، فإن الأخبار قد تظاهرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعموم مسحها بالماء ؛ من ذلك ما روي عن رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :« لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين » . رواه أبو داود والنَّسائي ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وخرجه السيوطي ، وحققه الألباني .

وروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح على رجليه . وروي عنه أيضًا أنه قال :« إن في كتاب الله المسح ، ويأبى الناس إلا الغسل » . وقال :« الوضوء غسلتان ومسحتان » . وقال قتادة :« فرض الله غسلتين ومسحتين » . وروي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه بلغه أن الحجّاج خطب يومًا بالأهواز ، فذكر الوضوء ، فقال :« إنه ليس شيء من ابن آدم أقربَ من خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما » ، فسمع ذلك أنس ، فقال :« صدق الله ، وكذب الحجّاج ، قال الله تعالى :﴿ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأرْجُلِكُمْ » . قال :« وكان إذا مسح رجليه بلَّهما » . وقال الشعبي :« نزل جبريل عليه السلام بالمسح » . وقال :« إن في التيمم يمسح ما كان غسلاً ، ويلغى ما كان مسحًا » . وقال يونس :« حدثني من صحب عكرمة إلى واسط ، قال : فما رأيته غسل رجليه ؛ إنما كان يمسح عليهما » .

فكيف يقال بعد هذا : إن مسح القدمين مع ظهورهما جميعًا لم ينقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه مخالف للكتاب والسنة ؟ وكيف يحمل مسح الأرجل على قراءة الخفض على أن المراد به المسح على الخفين ؟ ولست أدري لم كل هذا القلق والاضطراب في التأويل ، والتكلف والتمحل في التقدير ، والأمر أظهر من أن يختلف فيه اثنان ؟

سابعًا- بقي أن تعلم أن في الآية قراءة ثالثة يطلق عليها علماء القراءات مصطلح ( شاذة ) ، ومرادهم من ذلك أنها مخالفة للمتواتر من القراءات ، وهي قراءة الحسن- رضي الله عنه- فقد روي عنه أنه قرأ :﴿ وَأرْجُلُكُمْ بالرفع على الابتداء ، والخبر محذوف . وقيل في تخريجها :« وأرجلُكم ممسوحة ، أو مغسولة » ، على ما تقدم في حكمها على قراءتي الخفض والنصب .. والله تعالى أعلم ، ولا علم لنا إلا ما علمنا ، سبحانه ! له الحمد ، وله المنة .

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق