الاثنين، 13 فبراير 2012

وحمله وفصالُه ثلاثون شهرًا

وحمله وفصالُه ثلاثون شهرًا


أرسل أحدهم يقول : هناك شيء يحيرني بخصوص الآيات القرآنية التي تعرضت لفترة الرضاعة ، الأولى :﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ (البقرة:233) ، والثانية :﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ (لقمان:14) ، والثالثة :﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا (الأحقاف:15) .

والسؤال : لماذا يتخذ البعض من آية سورة الأحقاف دليلاً على أقصر مدة للحمل ؟ وأنها ستة أشهر ، وكأن فترة الرضاع لمدة عامين . أي : أربعة وعشرين شهرًا هي فترة محددة لا يجب المساس بها ، وأنها يجب ألا تزيد ، أو تنقص . بينما الحمل من الممكن أن يكون ستة أشهر ؟ وهل من المفروض أن يبنى حكم ، وهو الرضاعة ، لمدة ثلاثين شهرًا على حالات الحمل شديدة الشيوع ، أم على حالة هي بالغة الندرة ؟ وهل أقصر مدة للحمل تحددها آية قرآنية ، أم يسأل فيها أهل الذكر ؟

ثُم إن الطفل الذي يولد لستة أشهر فقط لا يمكن أن يظن من يراه أنه ابن تسعة أشهر ، أو حتى سبعة أشهر ؛ لأن اليوم الزيادة بالنسبة للطفل ناقص النمو ، أو المولود مبكرًا له تأثيره الواضح على حالة المولود ، وفي مصر هنا أقصر مدة حمل- كما يذكر الأطباء- هي ( 28 ) أسبوعًا .

ويستطرد السائل قائلاً : في تفسير الطبري لكلمة ( كاملين ) بعد ( حولين ) قال :« حتى لا يظن أحد أنه حولاً ، وبعض حول » . والله سبحانه وتعالى يقول في سورة لقمان :﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ، ولم يقل :( كاملين ) ، فلماذا يقال : المقصود تمام عامين ، مقارنة بسورة البقرة ، مع أن الله سبحانه وتعالى يقول في هذه السورة :﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ، ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ ، بما يعني طبقًا لتفسير القرطبي : « دَلِيل عَلَى أَنَّ إِرْضَاع الْحَوْلَيْنِ لَيْسَ حَتْمًا فَإِنَّهُ يَجُوز الْفِطَام قَبْل الْحَوْلَيْنِ , وَلَكِنَّهُ تَحْدِيد لِقَطْعِ التَّنَازُع بَيْن الزَّوْجَيْنِ فِي مُدَّة الرَّضَاع , فَلَا يَجِب عَلَى الزَّوْج إِعْطَاء الْأُجْرَة لِأَكْثَر مِنْ حَوْلَيْنِ . وَإِنْ أَرَادَ الْأَب الْفَطْم قَبْل هَذِهِ الْمُدَّة وَلَمْ تَرْضَ الْأُمّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ . وَالزِّيَادَة عَلَى الْحَوْلَيْنِ أَوْ النُّقْصَان إِنَّمَا يَكُون عِنْد عَدَم الْإِضْرَار بِالْمَوْلُودِ وَعِنْد رِضَا الْوَالِدَيْنِ » ؟

ألا يدل هذا على أن فترة الإرضاع ، وليس الحمل ، هي التي بها شيء من المرونة في التحديد ؟ فلماذا لا تقارن سورة لقمان بسورة الأحقاف ، فيقال : ( فِي عَامَيْنِ ) . أي : نحو عامين ، أو قريبًا من عامين ، بما يعني : أن مدة الثلاثين شهرًا للحمل والفصال تعني : أن مدة الحمل هي ، كما هي في حالتها العامة الشائعة تسعة أشهر ، وأنه ربما تعني الآية توجيهًا قرآنيًّا بألا تقل مدة الرضاع عن ( 21 ) شهرًا ؟ أرجو إفادتي في فهم هذا الموضوع ، وجزاكم الله خيرًا !

وفي الإجابة عن هذه الأسئلة قلت مستعينًا بالله :

أولاً- مدة الرضاع عند العلماء : أكملها : حولان كاملان ، وأقلها : واحد وعشرون شهرًا ، وأكثرها : أربعة وعشرون شهرًا . أخذوا ذلك من قوله تعالى :﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ (البقرة:233) ، وقوله :﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا (الأحقاف:15) ؛ وذلك بطرح مدة الحمل الغالبة وهي ( تسعة أشهر ) ، والنادرة وهي ( ستة أشهر ) من مدة الحمل والفصال . أي : مدة الحمل والفطام .

أما تحديد أقل مدة للحمل بـ( ستة أشهر) ، فقد استدل عليه علي كرم الله تعالى وجهه ، وابن عباس رضي الله عنهما ، وجماعة من العلماء بآية الأحقاف ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ، وبه قال الأطباء ، وقال جالينوس :« كنت شديد الفحص عن مقدار زمن الحمل ، فرأيت امرأة ولدت لمائة وأربع وثمانين ليلة » ، وادعى ابن سينا أنه شاهد ذلك .

وأما تحديد أكثر مدة الحمل فليس في القرآن الكريم ما يدل عليه ، وحكي عن أرسطو أنه قال :« أزمنة الحمل لكل حيوان مضبوطة سوى الإنسان ، فربما وضعت المرأة لسبعة أشهر ، وربما وضعت لثمانية ، وقلما يعيش الولد في الثامن إلا في بلاد معينة مثل مصر » ، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى :﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ ، وقوله :﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ، كما سنبينه في الفقرتين : الثانية ، والثالثة .

ثانيًا- ولما كان المقصود مجرد تحول الزمان بفصوله الأربعة ، ورجوع الشمس بعد قطع البروج الاثني عشر إلى البرج الذي كانت فيه عند الولادة ، عبَّر سبحانه وتعالى بما يدل على مطلق التحول ، فقال :﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ ، ولم يقل : ( سنتين ) ، أو ( عامين ) ، كما قال في آية لقمان :﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ (لقمان:14) .

و( الحَوْلُ ) في اللغة هو ( السنة ) ، اعتبارًا بانقلابِها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها . قال اللَّه تعالى :﴿ مَتَاعًا إِلَى الحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ ، قاله الراغِبُ الأصفهاني . وقال الحَرالِّيُّ : الحول هو تمام القوة في الشيء الذي ينتهي لدورة الشمس ، وهو العام الذي يجمع كمال النبات الذي يتم فيه قواه ؛ وكأنه مأخوذ مما له قوة التحويل » . ويقال : حالَ الحَوْلُ حَوْلاً . أي : تَمَّ . ويُجمَع على : أحوال . قال امرؤ القيس :

وهل يَنْعَمَنْ مَن كان أَقْرَبُ عَهْدِهِ *** ثلاثِينَ شَهْرًا أو ثلاثةَ أَحْوالِ

وفي وصف الحولين بالكمال ﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ دفعٌ للمجاز الذي يحتمله لفظ ( الحولين ) ؛ إذ يقال : أقمت عند فلان حولين ، وإن لم يستكملهما ، وهي صفة توكيد ؛ كما في قوله تعالى :﴿ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ (البقرة:196) . وجعل تعالى هذه المدة حدًّا ، عند اختلاف الزوجين في مدة الرضاع ، فمن دعا منهما إلى كمال الحولين ، فذلك له .

ولما كان ذلك ربما يفهم منه وجوب الكمال ، نفاه سبحانه وتعالى بقوله :﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ . أي : هذا الحكم له ، فأفهمَ أنه يجوز الفطام للمصلحة قبل ذلك ، وأنه ليس بعد تمام الرضاعة رضاع . وجمهور الفقهاء على أنه يجوز الزيادة والنقصان ، إذا رأيا ذلك ، إن لم يكن فيه مضرة للولد ، وكان أصلح له . ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى :﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾(البقرة:133) .

ثالثًا- قال تعالى في الأحقاف :﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا ، وقال في لقمان:﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ، فبيَّن في الآية الأولى مدة الحمل والفصال جميعًا من غير تفصيل ، ثم بيَّن في الثانية مدة الفصال قصْدًا ، وسكت عن بيان مدة الحمل وحدها قصْدًا ، فلم يذكر له مدة ، فلزم من ذلك أن أقلها ستةُ أشهر ، و( فصاله ) . أي : فطامه . والمراد منه الرضاع التام المنتهى بالفطام ؛ ولذلك عبَّر بالفصال ، أو عن وقته ، دون الرضاع المطلق ؛ لأن الرضاع لا يفيد ذلك .

ولما كان الوالدان يعدان وجدان الولد من أعظم أسباب الخير والسرور ، عبَّر الله تعالى في أمره هنا بـ( العام ) الذي تدور مادته على السعة ، وقيده بـ( في ) الدالة على الظرفية ، فقال سبحانه :( في عامين ) ، ولم يقل :( في حولين ) ، أو ( في سنتين ) . وفي التعبير بلفظ ( العام ) أيضًا إشارة إلى تعظيم منتهاه بكون الأم تعد أيام رضاع ولدها- مع كونها أضعف ما تكون في أيام تربيته- أيام سعة وسرور . وأما تقييد العامين بـ( في ) فيشير إلى أن الوالدين لهما أن يفطماه قبل تمام العامين على حسب ما يحتمله حاله ، وتدعو إليه المصلحة من أمره . وفي ذلك كله دليل واضح على أن فترة الرضاعة ، قد تزيد وتنقص تبعًا لفترة الحمل .. والله تعالى أعلم !

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

رابعًا- وعقب الأخ السائل على الجواب السابق بقوله :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

شكرًا جزيلاً على اهتمامك بالرد ، وفي الحقيقة كان ردًّا شافيًا ؛ ولكن الذي استوقفني فيه شيء مختلف عن موضوع السؤال ، وهو حديثك عن حركة ودوران الشمس ، وليس الأرض ؛ مثل قولك :( ورجوع الشمس بعد قطع البروج الاثني عشر إلى البرج الذي كانت فيه عند الولادة . و: عبَّر سبحانه في اللغة هو السنة اعتبارًا بانقلابِها ، ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها ) .

هل السبب هو أن الرد كان في بعض أجزائه ينقل آراء المفسرين القدامى الذين كانوا يعتقدون أن الشمس هي التي تدور حول الأرض ؟ أم أن هذا ما تعتقده فعلاً ؟

خامسًا- وكان الردُّ على تعقيب الأخ السائل بالآتي :

أخي الفاضل !

أولاً- أنا لم أتحدث في كلامي السابق عن الشمس والأرض ، أيهما يدور حول الآخر ، فهذا مما لا أعنيه .؛ وإنما نقلت لك ما قاله الراغب الأصفهاني ، والحرالِّي في تعريف ( الحول ) ؛ لألفت انتباهك إلى الفرق بينه ، وبين السنة ، والعام ، ولوجود هذا الفرق جاء التعبير بـ( حَوْلَيْنِ ) ، وأكِّدا بـ( كَامِلَيْنِ ) ، دون ( عامين ) ، أو ( سنتين ) ؛ لأن العام والسنة لا يحتاجان إلى تأكيد ؛ لأنه لا خلاف في أن ﴿ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا (التوبة:36) ؛ وذلك هو العام والسنة ، وهو أيضًا الحول الكامل . وأما غير الكامل فهو الذي ذكره امرؤ القيس في قوله :

وهل يَنْعَمَنْ مَن كان أَقْرَبُ عَهْدِهِ *** ثلاثِينَ شَهْرًا أو ثلاثةَ أَحْوالِ

لاحظ قوله : ( ثلاثِينَ شَهْرًا أو ثلاثةَ أَحْوالِ ) ، وهي مدة الحمل والفصال التي أشارت إليها آية سورة الأحقاف ، ومنه يفهم أن الحول غير الكامل هو عشرة أشهر ، بخلاف السنة ، أو العام .

ثانيًا- وأما عن حركة ودوران الشمس فقال صاحب كتاب ( القرآن وإعجازه العلمي ) في تفسير قول الله تبارك وتعالى :﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾(الفرقان:61) ما نصُّه :« يرى سكان الأرض نجوم السماء على هيئة مجموعات ، تكاد تحتفظ بصورها على مر الأجيال . والبروج هي تلك المجموعات من الأجرام التي تمر أمامها الشمس أثناء دورانها الظاهري من حول الأرض ، فالبروج كأنها منازل الشمس في دورانها أثناء السنة ، وكل ثلاثة منها تؤلف فصلاً من فصول السنة » .

وقال في تفسير قول الله عز وجل :﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾(يس: 38) :« يقرر علم الفلك بأن الشمس لها مجموعة من الكواكب والأقمار والمذنبات تتبعها دائمًا ، وتخضع لقوة جاذبيتها ، وتجعلها تدور من حولها في مدارات متتابعة بيضاوية الشكل ، وجميع أفراد هذه المجموعة تنتقل مع الشمس خلال حركتها الذاتية . والخلاصة أن المجموعة الشمسية تجري في الفضاء بسرعة محدودة ، وفي اتجاه محدود ، وتبلغ هذه السرعة حوالى / 700 / كيلومتر في الثانية ، وتتم دورتها حول المركز في مدى /200 / مليون سنة ضوئية ، ولم يتوصل علماء الفلك إلى معرفة هذه الحركة واتجاهها إلا في أوائل القرن العشرين . فأين هذا من وقت نزول القرآن ، حيث لم يكن محمد النبي الأمي ، ولا قومه يعرفون شيئًا من ذلك » .. والله تعالى أعلم !

0 التعليقات:

إرسال تعليق