الأحد، 12 فبراير 2012

وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ


صورة للكهف الذي أوى إليه الفتية صور لسبع جماجم عثر عليها ضمن الكهف

قال الله عز وجل في عدَّة أصحاب الكهف :﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (الكهف:22) ، فأدخل سبحانه ( الواو ) على قول من قال :﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ، ونزعها من قول من سبقهم .. واختلف النحاة والمفسرون في نوع هذه ( الواو ) ودلالتها على أقوال ، فما حقيقة هذه الواو ، وما دلالتها ؟

أولاً- سئل الدكتور السامرائي في ( لمسات بيانية ) : ما دلالة ( الواو ) في :( وثامنهم ) ، في الآية السابقة ؟

فأجاب بقوله :« القدامى المفسرون ذكروها ، قالوا : هذه الواو تدل على أن اتصافهم هذا هو الأمر الثابت الصحيح ، وأن هذا القول هو الحق ، قولين ، قال :( رجمًا بالغيب ) ( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) . إذن هذا الغيب أسقطهم وأبطل القولين . ويقول :( سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) ، لم يقل :( رجمًا بالغيب ) ، وقال :( قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ) . إذن هناك من يعلمهم :( مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ) . ابن عباس قال : أنا من القليل . هذه ( الواو تدل على التأكيد والاهتمام ) ، وأن هذا الأمر هو الصح هو اليقين ؛ لأن ( الواو ) يؤتى بها في مواطن الاهتمام والتوكيد والتحقيق . قال تعالى :( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )(112) التوبة ) . القدامى قالوا : أدخل ( الواو ) على ( الناهون ) ؛ لأن كل ما سبق من الصفات يأتي بها الإنسان لنفسه لا يتعلق بالغير ( عابد ، حامد ، سائح ، راكع ، ساجد ) . أما ( الناهون ) فتتعلق بالغير . وهناك احتمال أن يلاقي بها من الأذى .

( الواو هي عاطفة ، ويؤتى بها للاهتمام ) ؛ ولذلك النحاة عندهم قاعدة :( إذا تباعد معنى الصفات فالعطف أحسن ) ، ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )(3) الحديد) : الأول نقيض الآخر ، والظاهر نقيض الباطن . إذن إذا تباعدت الصفات من حيث المعنى . وقال :( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ )(13) القلم ) ، لم يستعمل ( الواو ) ؛ لأن الصفات كلها في سياق واحد .

وقسم من النحاة قال- وضعّفوا هذا الرأي– أن هذه ( الواو هي واو الثمانية ) ، وقال النحاة : هذا قول ضعيف . هم يقولون في العدّ : يعدون من واحد إلى سبعة ، ثم يقولون : وثمانية ؛ لكن النحاة قالوا : هذا قول ضعيف لا يُعبأ به . نقرأ في كتب النحو ( للأخفش ) ، ويقال : هذا قول ضعيف ، كل ما يقوله النحاة ، فيه الضعيف وفيه القوي ، وفيه الراجح والمرجوح . ( الواو هي للتأكيد ) ، على أن هذا القول الصح .

والزمخشري قال :( هذه الواو التي تفيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر ) . ( هذا الكلام ورد في كتابه الكشّاف ) ، والنحاة يعترضون على شيء واحد في هذا التعبير ، وهو ( تأكيد لصوق الصفة بالموصوف ) من حيث ( سبعة وثامنهم كلبهم ) ، ( هذه واو الحال ، وليست واو الصفة ) ، ليس عندنا واو صفة ، ( وثامنهم كلبهم ) هذه جملة ثانية ، جملة حالية ، قالوا : هذه ( الواو واو الحال ) ، وهذه الواو لا تقع في الجمل بين الصفة والموصوف ، تقع واو الحال ، والزمخشري عندما قال ، انطلق من أن الجمل بعد النكرات صفات ، وبعد المعارف أحوال ، ( سبعة ) نكرة ، فقال هذه صفة ، والجمهور يؤيدونه فيما ذهب إليه من حيث الدلالة » .

وسئل في لمسة أخرى عن دلالة هذه ( الواو ) ، فأجاب بقوله :« ما يميل إليه علماء اللغة أن ( الواو واو عاطفة ) تعطف جملة على جملة سابقة ، أو ( واو استئنافية ) ؛ لأن الكلام انتهى . و( هي تفيد التوكيد والتحقيق ) ، ولا تؤثر في الإعراب ؛ كما صرّح المفسرون . أي : كأنها تدل على أن الذين قالوا : أن أصحاب الكهف كانوا سبعة ، وثامنهم كلبهم ، هم الذين قالوا القول الصحيح الصواب ، ومنهم الزمخشري . ( الواو- إذن- هي واو الحال ) ؛ ولكنها أفادت ( التوكيد والتحقيق ) بأن هذا القول صحيح ؛ لأن الواو يؤتى بها إذا تباعد معنى الصفات للدلالة على التحقيق والاهتمام » .

ثانيًا- هذا ما أجاب به فضيلته عن نوع هذه الواو ودلالتها ، وبغض النظر عن الأسلوب الذي صيغ به ذلك الجواب إن جاز أن نسمِّيَه جوابًا ، نتوجه بالسؤال إلى المعجبين بعلم هذا الرجل المبدع ، فنقول : ماذا فهمتم من هذا الجواب ؟ وإن كنتم قد فهتم شيئًا ، فهلا بينتم لنا المراد من تلك الأقوال المتضاربة في هذه الواو الضعيفة ؟

1- ( الواو هي عاطفة ، ويؤتى بها للاهتمام ) .

2- ( الواو هي للتأكيد ) . يعني : ( زائدة ) .

3- ( الواو استئنافية ، وهي تفيد التوكيد والتحقيق ) .

4- ( الواو هي واو الحال ، ولكنها أفادت التوكيد والتحقيق ) .

فليتهم يقولون لنا : على أي من هذه الأقوال يمكن أن يرسو المشاهد المسكين ؟ أم أن هذه ( الواو ) في هذه الآية تدور في كل هذه الأقوال ؛ كما قال فضيلته في ( لا ) التي تسبق فعل القسم :« وفي السورة ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ) تدور ( لا ) في كل هذه الأمور ، على أنها توكيد للقسم ، بمعنى :( أقسم بهذا البلد ) . إذن الغرض للتوكيد ؛ لأن الأمر فيه عناية واهتمام » ؟

ثالثًا- وسئل الدكتور العلامة حسام النعيمى السؤال نفسه ، فأجاب بقوله :« هناك رأى يقول : هذه الواو قبل كلمة ثمانية هي كأنها من آثار الأعداد القديمة . الاستعمالات القديمة ، وكانت باقية عند قريش ، بمعنى : أن العدد الأعلى الذي ينتهي عنده الحساب هو السبعة ، وبهذا فسّروا : سبع سموات ، سبع أراضين ، سبعين مرة ، سبعمائة . والقرآن نزل بلغة قريش ، فبقيت هذه الواو لذلك سميت بـ( واو الثمانية ) ، ( وثامنهم ) ، وهذا الاستعمال الذي كان خاصًا بها أحيانًا .

العرب عندهم أسلوب في ذكر المعدود ( ما يعدّون ) ، تصاغ عندهم على وزن ( فاعل ) ، فيقولون مثلاً : هو رابع أربعة ، لكن لهم أسلوب آخر : يقولون : رابع ثلاثة ، أو خامس أربعة . في هذه الحالة يكون متممًا للعدد ، ولكنه ليس شرطًا أن يكون جزءًا منه . لاحظ في القرآن : ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ(7) المجادلة ) ، نجوى الثلاثة الله رابعهم ، فالله سبحانه وتعالى من غيرهم ، لكنه صار في العدد بحضوره رابعًا ، لكنه ليس منهم . في قصة أصحاب الكهف :( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) الكهف ) ليس منهم » .

وهكذا اقتصر العلامة النعيمي على قول واحد في هذه ( الواو ) ، وهو القول الذي ضعَّفه النحاة ، وأشار العلامة السامرائي إلى تضعيفهم له في قوله السابق .. ومما ينبغي أن يعلمه أنصار السامرائي والنعيمي أن للنعيمي إجابات كلها طلاسم وألغاز تفوَّق بها على أستاذه ، ومن شاء أن يتأكد ، فليذهب إلى جواب له عن الفرق بين ( أعدَّ ) ، و( أعتد ) ، في لمسة غبية من لمساته التي بثتها له قناة الشارقة الفضائية في غياب أستاذه الفاضل ، أتى فيه بالعجب العجاب .. نسأله سبحانه أن يلهمنا الصبر على البلاء ، ورحم الله عبدًا عرف حدَّه ، فوقف عنده .

رابعًا- وأختم قولي في هذه ( الواو ) بأن العلماء اختلفوا فيها- كما قدمنا- على أقوال : أحدها : أنها زائدة للتأكيد . والثاني : أنها واو العطف ، وهو اختيار أبي حيان . والثالث : أنها واو الحال . والرابع : أنها واو الثمانية ، وهو أضعف الأقوال . والخامس : أنها واو الاستئناف ، وأن قوله تعالى :( وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) استئناف منه سبحانه ، لا حكاية عنهم ، وجيء بـ( الواو ) ؛ لتعطي انقطاع هذا ممَّا قبله ، وإليه ذهب بعض المفسرين . والخامس : أنها الواو التي تدخل على الصفة ؛ لتأكيد لصوقها بالموصوف ، وهو قول انفرد به الزمخشري .

والظاهر أن قوله تعالى :﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( سَبْعَة ) ؛ كما أن قوله تعالى :﴿ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( ثلاثة ) ، و﴿ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( خمسة ) ، على ما نصَّ عليه الزمخشري في قوله :« فإن قلت : فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ، ولم دخلت عليها دون الأوّلين ؟ قلت : هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة ؛ كما تدخل على الواقعة حالاً عن المعرفة ، في نحو قولك :( جاءني رجل ومعه آخر ) ، و( مررت بزيد وفي يده سيف ) ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ ﴾(الحجر: 4) ، وفائدتها : توكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر » .

وأضاف الزمخشري قائلاً :« وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا : سبعة ، وثامنهم كلبهم ، قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ، ولم يرجموا بالظن كما غيرهم . والدليل عليه أن الله سبحانه أتبع القولين الأولين قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ ، وأتبع القول الثالث قوله :﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : حين وقعت الواو ، انقطعت العدّة . أي : لم يبق بعدها عدّة عادّ يلتفت إليها ، وثبت أنهم ( سبعة ) ، و( ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) ، على القطع والبتات » .

وإلى أن العدة ثمانية بالكلب ذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير ، والدليل على صحته أنه لا بد من قول صادق من الأقوال الثلاثة ؛ لينطبق قوله تعالى :﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ، مع قوله سبحانه :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ ؛ لأنه قد اندفع به القولان الأوَّلان ، فيكون الصادق هذا ، وتعقيبه به أمارة على صدقة .

وقوله تعالى :﴿ قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ﴾ أمر من الله سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام في هذه الآية أن يرد علم عدتهم إليه عز وجل . ثم أخبر سبحانه أن عالم ذلك من البشر قليل . والمراد به قوم من أهل الكتاب ، في قول عطاء . وقيل : من البشر مطلقًا ، وهو الذي يقتضيه ما أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن ابن عباس ، أنه قال :« أنا من أولئك القليل ، كانوا سبعة ، وثامنهم كلبهم » ، ثم ذكر السبعة بأسمائهم ، وأخرجه عنه غير واحد من طرق شتى ، وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنهم .

وإلى كون ( الواو ) على ما نصَّ عليه الزمخشري ذهب أحمد ابن المنير ، وقال في هامش الكشاف معقِّبًا على قول الزمخشري :« وهو الصواب ، لا كالقول بأنها ( واو الثمانية ) ؛ فإن ذلك أمر لا يستقر لمثبته قدم ، ورد ما ذكروه من ذلك » . وقد زعم القائلون بأنها ( واو الثمانية ) أن السبعة نهاية العدد عند العرب قديمًا ؛ كالعشرة الآن عندنا . ومثل هذا الكلام- كما قال القشيرى أبو نصر- تحكم ، ومن أين السبعة نهاية عندهم ؟ ثم هو منقوض بقوله تعالى :﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ (الحشر: 23) ، ولم يذكر الاسم الثامن بـ( الواو ) .

وقد اعترض أكثر من واحد على الزمخشري ، وردوا قوله ، من جهة أن دخول الواو على الصفة لم يقل به أحد من النحويين ؛ ومنهم أبو حيان ، وابن مالك ، وصاحب الفرائد ، واعتراضُ أكثرهم مَبنيٌّ على أن ( الواو ) عاطفة جملة على جملة ، والعطف يقتضي المغايرة ، فيمتنع دخولها بين الصفة والموصوف ؛ لاتحادهما ذاتًا وحكمًا- كما قال صاحب الفرائد- وهو مناف لما يقتضيه العطف من المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه . ولهذا قالوا : التقدير : هم سبعة ، وثامنهم كلبهم . وقيل : العطف من كلام الله تعالى ، والمعنى : نعم ، هم سبعة ، وثامنهم كلبهم . فهما جملتان ، ولا يخفى ما في ذلك من تكلف .

واعترض بعضهم بأن ( الواو ) حالية . قال ابن هشام في المغني :« وعلى هذا ، فيقدر المبتدأ اسم إشارة . أي : هؤلاء سبعة ؛ ليكون في الكلام ما يعمل في الحال ، ويرد ذلك أن حذف عامل الحال إذا كان معنويًا ، ممتنع » . وقال ابن هشام في موضع آخر ردًّا على من جعل الواو حالية :« وأما واو الحال ، فأين عامل الحال ، إن قدرت : هم ثلاثة ، أو هؤلاء ثلاثة ؟ فإن قيل على التقدير الثاني : هو من باب ﴿ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً (هود: 72) ، قلنا : العامل المعنوي لا يحذف » .

والغريب بعد هذا أن نجد ابن هشام نفسه في موضع آخر من المغني يعترض على الزمخشري ، ويصرح بأن ( الواو ) في ﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ هي ( واو الحال ) ، ثم يذكر أن المسوِّغ لمجيء الحال من ( سَبْعَة ) ، وهو نكرة ، امتناع الوصفية ، وأن مانع الوصفية فيها هو اقترانها بالواو ، فتناقض بذلك كلامه . والصواب من القول في هذه ( الواو ) ما ذهب إليه الزمخشري ، ووافقه أبو البقاء العُكْبُري ، فقال :« الجملة إذا وقعت صفة للنكرة ، جاز أن يدخلها ( الواو ) ، وهذا هو الصحيح في إدخال الواو في ( ثامنهم ) » . فـ( الواو ) هنا وظيفتها الربط بين الصفة وموصوفها ، وفائدتها كما قال الزمخشري :« توكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر » .

قال الألوسي في روح المعاني :« وانتصر العلامة الطيبي للزمخشري ، وأجاب عمَّا اعترض به عليه ، فقال : اعلم أنه لا بد قبل الشروع في الجواب من تبيين المقصود تحريرًا للبحث ؛ فالواو هنا ليست على الحقيقة ، ولا يعتبر في المجاز النقل الخصوصي ؛ بل المعتبر فيه اعتبار نوع العلاقة ، وذكروا أن المجاز في عرف البلاغة أولى من الحقيقة وأبلغ ، وأن مدار علم البيان الذوق السليم الذي هو أنفع من ذوق التعليم ، ولا يتوقف على التوقيف ، وليس ذلك كعلم النحو ، والمجاز لا يختص بالاسم والفعل ؛ بل قد يقع في الحروف .

وقد نقل شارح اللباب عن سيبويه أن ( الواو ) في قولهم :( بعت الشاة ودرهمًا ) بمعنى ( الباء ) . وتحقيقه أن ( الواو ) للجمع ، و( الباء ) للإلصاق ، وهما من واد واحد ، فسلك به طريق الاستعارة . وإذا علم ذلك ، فليعلم أن معنى قوله :( فائدتها : توكيد لصوق الصفة بالموصوف ) : أن للصفة نوع اتصال بالموصوف ، فإذا أريد توكيد اللصوق وسط بينهما بـ( الواو ) ؛ ليؤذن أن هذه الصفة غير منفكة عن الموصوف ، وإليه الإشارة فيما بعد من كلامه . وإن الحال في الحقيقة صفة ، لا فرق إلا بالاعتبار ؛ ألا ترى أن صفة النكرة إذا تقدمت عليها ، وهي بعينها ، تصير حالاً . ولو لم يكونا متحدين ، لم يصح ذلك . ثم إن قولك :( جاءني رجل ومعه آخر ) ، وقولك :( مررت بزيد ومعه آخر ) ، لما كانا سواء في الصورة ، اللهم إلا في اعتبار المعرفة والنكرة ، كان حكمهما سواء في ( الواو ) ، وهو مراد الزمخشري من إيراد المثالين ، لا كما فهم بعضهم .. ويدفع الاعتراضات الباقية أن ما استند إليه الزمخشري ليس من باب الأدلة اليقينية ؛ بل هو من باب الإمارات ، وتكفي في هذه المقامات » .

وأضاف الألوسي قائلاً :« هذا ، ووافق في الانتصار جماعة منهم سيد المحققين وسند المدققين فقال : الظاهر أن قوله تعالى :﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( سبعة ) ؛ كما يشهد به أخواه . وأيضًا ليس ( سبعة ) في حكم الموصوفة ؛ كما قيل في ( قَرْيَةٌ ) ، في قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ (الحجر: 4) ، حتى يصح الحمل على الحال اتفاقًا ، ولا شك أن معنى الجمع يناسب معنى اللصوق ، وباب المجاز مفتوح ، فلتحمل هذه ( الواو ) عليه تأكيدًا للصوق الصفة بالموصوف ، فتكون هذه أيضًا فرعًا للعاطفة ؛ كالتي بمعنى : مع ، والحالية ، والاعتراضية » .

وهذا الذي ذكرناه ما كان ينبغي أن يغيب عن علم السامرائي ، وهو صاحب المؤلفات النحوية واللغوية العظام ، وأهمها رسالته التي حصل بها على شهادة الدكتوراه وعنوانها :( الدراسات النحوية واللغوية عند الزمخشري )! نسأله سبحانه أن ينوِّر بصائرنا ، وأن يزيدنا علمًا وفهمًا لكلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والحمد لله على منِّه وفضله !

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

صورة للكهف الذي أوى إليه الفتية صور لسبع جماجم عثر عليها ضمن الكهف

قال الله عز وجل في عدَّة أصحاب الكهف :﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (الكهف:22) ، فأدخل سبحانه ( الواو ) على قول من قال :﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ، ونزعها من قول من سبقهم .. واختلف النحاة والمفسرون في نوع هذه ( الواو ) ودلالتها على أقوال ، فما حقيقة هذه الواو ، وما دلالتها ؟

أولاً- سئل الدكتور السامرائي في ( لمسات بيانية ) : ما دلالة ( الواو ) في :( وثامنهم ) ، في الآية السابقة ؟

فأجاب بقوله :« القدامى المفسرون ذكروها ، قالوا : هذه الواو تدل على أن اتصافهم هذا هو الأمر الثابت الصحيح ، وأن هذا القول هو الحق ، قولين ، قال :( رجمًا بالغيب ) ( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ) . إذن هذا الغيب أسقطهم وأبطل القولين . ويقول :( سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) ، لم يقل :( رجمًا بالغيب ) ، وقال :( قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ) . إذن هناك من يعلمهم :( مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ) . ابن عباس قال : أنا من القليل . هذه ( الواو تدل على التأكيد والاهتمام ) ، وأن هذا الأمر هو الصح هو اليقين ؛ لأن ( الواو ) يؤتى بها في مواطن الاهتمام والتوكيد والتحقيق . قال تعالى :( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ )(112) التوبة ) . القدامى قالوا : أدخل ( الواو ) على ( الناهون ) ؛ لأن كل ما سبق من الصفات يأتي بها الإنسان لنفسه لا يتعلق بالغير ( عابد ، حامد ، سائح ، راكع ، ساجد ) . أما ( الناهون ) فتتعلق بالغير . وهناك احتمال أن يلاقي بها من الأذى .

( الواو هي عاطفة ، ويؤتى بها للاهتمام ) ؛ ولذلك النحاة عندهم قاعدة :( إذا تباعد معنى الصفات فالعطف أحسن ) ، ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )(3) الحديد) : الأول نقيض الآخر ، والظاهر نقيض الباطن . إذن إذا تباعدت الصفات من حيث المعنى . وقال :( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ )(13) القلم ) ، لم يستعمل ( الواو ) ؛ لأن الصفات كلها في سياق واحد .

وقسم من النحاة قال- وضعّفوا هذا الرأي– أن هذه ( الواو هي واو الثمانية ) ، وقال النحاة : هذا قول ضعيف . هم يقولون في العدّ : يعدون من واحد إلى سبعة ، ثم يقولون : وثمانية ؛ لكن النحاة قالوا : هذا قول ضعيف لا يُعبأ به . نقرأ في كتب النحو ( للأخفش ) ، ويقال : هذا قول ضعيف ، كل ما يقوله النحاة ، فيه الضعيف وفيه القوي ، وفيه الراجح والمرجوح . ( الواو هي للتأكيد ) ، على أن هذا القول الصح .

والزمخشري قال :( هذه الواو التي تفيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر ) . ( هذا الكلام ورد في كتابه الكشّاف ) ، والنحاة يعترضون على شيء واحد في هذا التعبير ، وهو ( تأكيد لصوق الصفة بالموصوف ) من حيث ( سبعة وثامنهم كلبهم ) ، ( هذه واو الحال ، وليست واو الصفة ) ، ليس عندنا واو صفة ، ( وثامنهم كلبهم ) هذه جملة ثانية ، جملة حالية ، قالوا : هذه ( الواو واو الحال ) ، وهذه الواو لا تقع في الجمل بين الصفة والموصوف ، تقع واو الحال ، والزمخشري عندما قال ، انطلق من أن الجمل بعد النكرات صفات ، وبعد المعارف أحوال ، ( سبعة ) نكرة ، فقال هذه صفة ، والجمهور يؤيدونه فيما ذهب إليه من حيث الدلالة » .

وسئل في لمسة أخرى عن دلالة هذه ( الواو ) ، فأجاب بقوله :« ما يميل إليه علماء اللغة أن ( الواو واو عاطفة ) تعطف جملة على جملة سابقة ، أو ( واو استئنافية ) ؛ لأن الكلام انتهى . و( هي تفيد التوكيد والتحقيق ) ، ولا تؤثر في الإعراب ؛ كما صرّح المفسرون . أي : كأنها تدل على أن الذين قالوا : أن أصحاب الكهف كانوا سبعة ، وثامنهم كلبهم ، هم الذين قالوا القول الصحيح الصواب ، ومنهم الزمخشري . ( الواو- إذن- هي واو الحال ) ؛ ولكنها أفادت ( التوكيد والتحقيق ) بأن هذا القول صحيح ؛ لأن الواو يؤتى بها إذا تباعد معنى الصفات للدلالة على التحقيق والاهتمام » .

ثانيًا- هذا ما أجاب به فضيلته عن نوع هذه الواو ودلالتها ، وبغض النظر عن الأسلوب الذي صيغ به ذلك الجواب إن جاز أن نسمِّيَه جوابًا ، نتوجه بالسؤال إلى المعجبين بعلم هذا الرجل المبدع ، فنقول : ماذا فهمتم من هذا الجواب ؟ وإن كنتم قد فهتم شيئًا ، فهلا بينتم لنا المراد من تلك الأقوال المتضاربة في هذه الواو الضعيفة ؟

1- ( الواو هي عاطفة ، ويؤتى بها للاهتمام ) .

2- ( الواو هي للتأكيد ) . يعني : ( زائدة ) .

3- ( الواو استئنافية ، وهي تفيد التوكيد والتحقيق ) .

4- ( الواو هي واو الحال ، ولكنها أفادت التوكيد والتحقيق ) .

فليتهم يقولون لنا : على أي من هذه الأقوال يمكن أن يرسو المشاهد المسكين ؟ أم أن هذه ( الواو ) في هذه الآية تدور في كل هذه الأقوال ؛ كما قال فضيلته في ( لا ) التي تسبق فعل القسم :« وفي السورة ( لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ ) تدور ( لا ) في كل هذه الأمور ، على أنها توكيد للقسم ، بمعنى :( أقسم بهذا البلد ) . إذن الغرض للتوكيد ؛ لأن الأمر فيه عناية واهتمام » ؟

ثالثًا- وسئل الدكتور العلامة حسام النعيمى السؤال نفسه ، فأجاب بقوله :« هناك رأى يقول : هذه الواو قبل كلمة ثمانية هي كأنها من آثار الأعداد القديمة . الاستعمالات القديمة ، وكانت باقية عند قريش ، بمعنى : أن العدد الأعلى الذي ينتهي عنده الحساب هو السبعة ، وبهذا فسّروا : سبع سموات ، سبع أراضين ، سبعين مرة ، سبعمائة . والقرآن نزل بلغة قريش ، فبقيت هذه الواو لذلك سميت بـ( واو الثمانية ) ، ( وثامنهم ) ، وهذا الاستعمال الذي كان خاصًا بها أحيانًا .

العرب عندهم أسلوب في ذكر المعدود ( ما يعدّون ) ، تصاغ عندهم على وزن ( فاعل ) ، فيقولون مثلاً : هو رابع أربعة ، لكن لهم أسلوب آخر : يقولون : رابع ثلاثة ، أو خامس أربعة . في هذه الحالة يكون متممًا للعدد ، ولكنه ليس شرطًا أن يكون جزءًا منه . لاحظ في القرآن : ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ(7) المجادلة ) ، نجوى الثلاثة الله رابعهم ، فالله سبحانه وتعالى من غيرهم ، لكنه صار في العدد بحضوره رابعًا ، لكنه ليس منهم . في قصة أصحاب الكهف :( سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) الكهف ) ليس منهم » .

وهكذا اقتصر العلامة النعيمي على قول واحد في هذه ( الواو ) ، وهو القول الذي ضعَّفه النحاة ، وأشار العلامة السامرائي إلى تضعيفهم له في قوله السابق .. ومما ينبغي أن يعلمه أنصار السامرائي والنعيمي أن للنعيمي إجابات كلها طلاسم وألغاز تفوَّق بها على أستاذه ، ومن شاء أن يتأكد ، فليذهب إلى جواب له عن الفرق بين ( أعدَّ ) ، و( أعتد ) ، في لمسة غبية من لمساته التي بثتها له قناة الشارقة الفضائية في غياب أستاذه الفاضل ، أتى فيه بالعجب العجاب .. نسأله سبحانه أن يلهمنا الصبر على البلاء ، ورحم الله عبدًا عرف حدَّه ، فوقف عنده .

رابعًا- وأختم قولي في هذه ( الواو ) بأن العلماء اختلفوا فيها- كما قدمنا- على أقوال : أحدها : أنها زائدة للتأكيد . والثاني : أنها واو العطف ، وهو اختيار أبي حيان . والثالث : أنها واو الحال . والرابع : أنها واو الثمانية ، وهو أضعف الأقوال . والخامس : أنها واو الاستئناف ، وأن قوله تعالى :( وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) استئناف منه سبحانه ، لا حكاية عنهم ، وجيء بـ( الواو ) ؛ لتعطي انقطاع هذا ممَّا قبله ، وإليه ذهب بعض المفسرين . والخامس : أنها الواو التي تدخل على الصفة ؛ لتأكيد لصوقها بالموصوف ، وهو قول انفرد به الزمخشري .

والظاهر أن قوله تعالى :﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( سَبْعَة ) ؛ كما أن قوله تعالى :﴿ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( ثلاثة ) ، و﴿ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( خمسة ) ، على ما نصَّ عليه الزمخشري في قوله :« فإن قلت : فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ، ولم دخلت عليها دون الأوّلين ؟ قلت : هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة ؛ كما تدخل على الواقعة حالاً عن المعرفة ، في نحو قولك :( جاءني رجل ومعه آخر ) ، و( مررت بزيد وفي يده سيف ) ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ ﴾(الحجر: 4) ، وفائدتها : توكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر » .

وأضاف الزمخشري قائلاً :« وهذه الواو هي التي آذنت بأن الذين قالوا : سبعة ، وثامنهم كلبهم ، قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ، ولم يرجموا بالظن كما غيرهم . والدليل عليه أن الله سبحانه أتبع القولين الأولين قوله :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ ، وأتبع القول الثالث قوله :﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ، وقال ابن عباس رضي الله عنه : حين وقعت الواو ، انقطعت العدّة . أي : لم يبق بعدها عدّة عادّ يلتفت إليها ، وثبت أنهم ( سبعة ) ، و( ثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ) ، على القطع والبتات » .

وإلى أن العدة ثمانية بالكلب ذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير ، والدليل على صحته أنه لا بد من قول صادق من الأقوال الثلاثة ؛ لينطبق قوله تعالى :﴿ مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ، مع قوله سبحانه :﴿ رَجْماً بالغيب ﴾ ؛ لأنه قد اندفع به القولان الأوَّلان ، فيكون الصادق هذا ، وتعقيبه به أمارة على صدقة .

وقوله تعالى :﴿ قُل رَّبّى أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم ﴾ أمر من الله سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام في هذه الآية أن يرد علم عدتهم إليه عز وجل . ثم أخبر سبحانه أن عالم ذلك من البشر قليل . والمراد به قوم من أهل الكتاب ، في قول عطاء . وقيل : من البشر مطلقًا ، وهو الذي يقتضيه ما أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح عن ابن عباس ، أنه قال :« أنا من أولئك القليل ، كانوا سبعة ، وثامنهم كلبهم » ، ثم ذكر السبعة بأسمائهم ، وأخرجه عنه غير واحد من طرق شتى ، وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنهم .

وإلى كون ( الواو ) على ما نصَّ عليه الزمخشري ذهب أحمد ابن المنير ، وقال في هامش الكشاف معقِّبًا على قول الزمخشري :« وهو الصواب ، لا كالقول بأنها ( واو الثمانية ) ؛ فإن ذلك أمر لا يستقر لمثبته قدم ، ورد ما ذكروه من ذلك » . وقد زعم القائلون بأنها ( واو الثمانية ) أن السبعة نهاية العدد عند العرب قديمًا ؛ كالعشرة الآن عندنا . ومثل هذا الكلام- كما قال القشيرى أبو نصر- تحكم ، ومن أين السبعة نهاية عندهم ؟ ثم هو منقوض بقوله تعالى :﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ (الحشر: 23) ، ولم يذكر الاسم الثامن بـ( الواو ) .

وقد اعترض أكثر من واحد على الزمخشري ، وردوا قوله ، من جهة أن دخول الواو على الصفة لم يقل به أحد من النحويين ؛ ومنهم أبو حيان ، وابن مالك ، وصاحب الفرائد ، واعتراضُ أكثرهم مَبنيٌّ على أن ( الواو ) عاطفة جملة على جملة ، والعطف يقتضي المغايرة ، فيمتنع دخولها بين الصفة والموصوف ؛ لاتحادهما ذاتًا وحكمًا- كما قال صاحب الفرائد- وهو مناف لما يقتضيه العطف من المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه . ولهذا قالوا : التقدير : هم سبعة ، وثامنهم كلبهم . وقيل : العطف من كلام الله تعالى ، والمعنى : نعم ، هم سبعة ، وثامنهم كلبهم . فهما جملتان ، ولا يخفى ما في ذلك من تكلف .

واعترض بعضهم بأن ( الواو ) حالية . قال ابن هشام في المغني :« وعلى هذا ، فيقدر المبتدأ اسم إشارة . أي : هؤلاء سبعة ؛ ليكون في الكلام ما يعمل في الحال ، ويرد ذلك أن حذف عامل الحال إذا كان معنويًا ، ممتنع » . وقال ابن هشام في موضع آخر ردًّا على من جعل الواو حالية :« وأما واو الحال ، فأين عامل الحال ، إن قدرت : هم ثلاثة ، أو هؤلاء ثلاثة ؟ فإن قيل على التقدير الثاني : هو من باب ﴿ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً (هود: 72) ، قلنا : العامل المعنوي لا يحذف » .

والغريب بعد هذا أن نجد ابن هشام نفسه في موضع آخر من المغني يعترض على الزمخشري ، ويصرح بأن ( الواو ) في ﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ هي ( واو الحال ) ، ثم يذكر أن المسوِّغ لمجيء الحال من ( سَبْعَة ) ، وهو نكرة ، امتناع الوصفية ، وأن مانع الوصفية فيها هو اقترانها بالواو ، فتناقض بذلك كلامه . والصواب من القول في هذه ( الواو ) ما ذهب إليه الزمخشري ، ووافقه أبو البقاء العُكْبُري ، فقال :« الجملة إذا وقعت صفة للنكرة ، جاز أن يدخلها ( الواو ) ، وهذا هو الصحيح في إدخال الواو في ( ثامنهم ) » . فـ( الواو ) هنا وظيفتها الربط بين الصفة وموصوفها ، وفائدتها كما قال الزمخشري :« توكيد لصوق الصفة بالموصوف ، والدلالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر » .

قال الألوسي في روح المعاني :« وانتصر العلامة الطيبي للزمخشري ، وأجاب عمَّا اعترض به عليه ، فقال : اعلم أنه لا بد قبل الشروع في الجواب من تبيين المقصود تحريرًا للبحث ؛ فالواو هنا ليست على الحقيقة ، ولا يعتبر في المجاز النقل الخصوصي ؛ بل المعتبر فيه اعتبار نوع العلاقة ، وذكروا أن المجاز في عرف البلاغة أولى من الحقيقة وأبلغ ، وأن مدار علم البيان الذوق السليم الذي هو أنفع من ذوق التعليم ، ولا يتوقف على التوقيف ، وليس ذلك كعلم النحو ، والمجاز لا يختص بالاسم والفعل ؛ بل قد يقع في الحروف .

وقد نقل شارح اللباب عن سيبويه أن ( الواو ) في قولهم :( بعت الشاة ودرهمًا ) بمعنى ( الباء ) . وتحقيقه أن ( الواو ) للجمع ، و( الباء ) للإلصاق ، وهما من واد واحد ، فسلك به طريق الاستعارة . وإذا علم ذلك ، فليعلم أن معنى قوله :( فائدتها : توكيد لصوق الصفة بالموصوف ) : أن للصفة نوع اتصال بالموصوف ، فإذا أريد توكيد اللصوق وسط بينهما بـ( الواو ) ؛ ليؤذن أن هذه الصفة غير منفكة عن الموصوف ، وإليه الإشارة فيما بعد من كلامه . وإن الحال في الحقيقة صفة ، لا فرق إلا بالاعتبار ؛ ألا ترى أن صفة النكرة إذا تقدمت عليها ، وهي بعينها ، تصير حالاً . ولو لم يكونا متحدين ، لم يصح ذلك . ثم إن قولك :( جاءني رجل ومعه آخر ) ، وقولك :( مررت بزيد ومعه آخر ) ، لما كانا سواء في الصورة ، اللهم إلا في اعتبار المعرفة والنكرة ، كان حكمهما سواء في ( الواو ) ، وهو مراد الزمخشري من إيراد المثالين ، لا كما فهم بعضهم .. ويدفع الاعتراضات الباقية أن ما استند إليه الزمخشري ليس من باب الأدلة اليقينية ؛ بل هو من باب الإمارات ، وتكفي في هذه المقامات » .

وأضاف الألوسي قائلاً :« هذا ، ووافق في الانتصار جماعة منهم سيد المحققين وسند المدققين فقال : الظاهر أن قوله تعالى :﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ صفة لـ( سبعة ) ؛ كما يشهد به أخواه . وأيضًا ليس ( سبعة ) في حكم الموصوفة ؛ كما قيل في ( قَرْيَةٌ ) ، في قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كتاب مَّعْلُومٌ (الحجر: 4) ، حتى يصح الحمل على الحال اتفاقًا ، ولا شك أن معنى الجمع يناسب معنى اللصوق ، وباب المجاز مفتوح ، فلتحمل هذه ( الواو ) عليه تأكيدًا للصوق الصفة بالموصوف ، فتكون هذه أيضًا فرعًا للعاطفة ؛ كالتي بمعنى : مع ، والحالية ، والاعتراضية » .

وهذا الذي ذكرناه ما كان ينبغي أن يغيب عن علم السامرائي ، وهو صاحب المؤلفات النحوية واللغوية العظام ، وأهمها رسالته التي حصل بها على شهادة الدكتوراه وعنوانها :( الدراسات النحوية واللغوية عند الزمخشري )! نسأله سبحانه أن ينوِّر بصائرنا ، وأن يزيدنا علمًا وفهمًا لكلامه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والحمد لله على منِّه وفضله !

بقلم : محمد إسماعيل عتوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق