الأحد، 12 فبراير 2012

دراسة في إعجاز كتابة القرآن


للمهندس : محمد شملـــول

لقد شدتني الكتابة المخصوصة للقرآن الكريم والمخالفة للكتابة الإملائية المعتادة ؛ وذلك من حيث حذف بعض الحروف من بعض الكلمات القرآنية ؛ مثل : حذف حرف الألف ، والياء ، والواو ، والتاء ، والنون ، واللام . أو زيادة بعض الحروف في بعض الكلمات القرآنية ؛ مثل : حرف الألف ، والياء ، والواو . أو اختلاف الهمزة في الكلمات القرآنية . أو إبدال بعض الحروف بحروف أخرى . أو وصل بعض الكلمات ، أو فصلها في أماكن مختلفة . وقد حاولت بجهدي المتواضع أن أجد إشارات موحية للأسباب التي وراء حذف بعض الحروف . أو إضافة حروف أخرى ، وتغير شكل الكلمة القرآنية بإبدال بعض الحروف . أو وصل الكلمات . أو فصلها ؛ وذلك على أساس أن أي حرف في القرآن الكريم له فائدة سواء وجد ، أو حذف .

وقد تبين لي بعد التدبر والدراسة أن هناك إعجازًا رائعًا في كتابة الكلمة القرآنية يتمثل في أن حروف الكلمة القرآنية ترسم صورة صادقة للمعنى المراد سواء بحذف بعض الحروف ، أو بزيادتها ، أو بإبدالها ، أو بوصلها ، أو بفصلها .. إن الكلمة القرآنية حينما تحذف بعض حروفها تتلاصق وتقترب أكثر من بعضها ، فيوحي ذلك بصورة المعنى متلاصقة وقريبة ؛ كما يوحى ذلك بصورة سريعة نظرًا لقلة زمن حدث كتابة الكلمة ونطقها الناتج عن حذف بعض حروف الكلمة ؛ كما يوحى أيضًا في بعض الأحيان بقلة الشأن نتيجة لتصغير حجم الكلمة . وهذا كله طبقًا للسياق ، وأولويات الموضوع .. كذلك فإن الكلمة القرآنية حينما تزيد بعض حروفها عن الحروف المعتادة سواء نطقت هذه الحروف ، أو لم تنطق ؛ فإن هذا يوحي بصورة للمعنى كبيرة ، أو صورة متمهلة تحتاج إلى التدبر والتفقه ، ويوحي ذلك بطلب التدبر والتفكر والتمهل ... ونضرب فيما يأتي أمثلة لإعجاز كتابة القرآن .

أمثلة لحذف حرف ( الألف ) من كلمة ( صاحب ) في الآية / 34 / من سورة الكهف :

﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾

بدأ مالك الجنتين الحوار مع صاحبه ، وكانا صاحبين قريبين من بعضهما البعض لدرجة الالتصاق ؛ لذا جاءت كلمة ( صاحبه ) في هذه الآية الكريمة علي هيئة ( صحبه ) . أي : بحذف الألف الوسطية ؛ لتبين صورة صاحبين متلاصقين .

ثم تكلم مالك الجنتين ، وبدأ يكفر بالساعة وبالله سبحانه وتعالي .. حينئذ تغير فورًا رسم وكتابة كلمة ( صحبه ) بدون ألف وسطية إلى ( صاحبه ) بألف وسطية ؛ لتوحي بنوع من الانفصال في الصورة ، ولتوضح الانفصال الإيماني ، رغم رفقة الزمان والمكان ، حيث جاء ذلك في الآية / 37 / من نفس السورة :

﴿ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾

وجاء رد صاحبه بقوله :﴿ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً سببًا مباشرًا للبعد عنه ، وسببًا لنشوء الألف الوسطية في كلمة ( صاحبه ) ؛ لتوحى بالانفصال .

ولو تدبرنا كل كلمة ( صاحب ) في القرآن الكريم كله ، لوجدناها تأتي بصورتين مختلفتين : إحداهما بدون ألف وسطية . والأخرى بألف وسطية .

وفي حالات وجود الألف الوسطية نجد أن هناك نوعًا من الانفصال ؛ فمثلاً حينما يتكلم القرآن الكريم عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقومه الكافرين ، يقول :

﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (النجم: 2) ، ﴿ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ (سبأ: 46) ، ﴿ وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (التكوير: 22)

وكلها تحتوي على الألف الوسطيه الفاصلة ، غير أنه حين يذكر القرآن الكريم سيدنا أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تأتي كلمة ( صاحبه ) بدون ألف ؛ لتبين الصحبة الحقيقية والالتصاق الإيماني :

﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا (التوبة: 40)

كذلك تأتي كلمة ( صاحبته ) بمعنى الزوجة بدون ألف على شكل ( صحبته ) في القرآن الكريم كله ؛ لتبين التصاق الزوجية :

﴿ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (المعارج: 12) ، ﴿ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (عبس: 36)

وكذلك تأتي ( أصحاب النار ) ، و( أصحاب الجنة ) كلها ملتصقة على شكل ( أصحب ) بدون ألف وسطية ؛ لتثبيت الخلود والدوام والالتصاق ؛ كما في قوله تعالى :

﴿ أُولَـئِكَ أَصْحَبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ (البقرة: 39) ، و﴿ أُولَـئِكَ أَصْحَبُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾(البقرة: 82)

كذلك حين يتكلم القرآن الكريم عن الأبوين الكافرين ، والابن المؤمن ، فإنه يخاطب الابن ، فيقول :

﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً (لقمان: 15)

حيث جاءت كلمة ( صاحبهما ) بألف وسطية ؛ لتوحي بعدم وجود التصاق إيماني .

أما حين يتكلم القرآن الكريم في سورة الكهف عن سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح ، فإنه يقول له :

﴿ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَحِبْنِي ﴾(الكهف: 76) ، بحذف الألف ؛ لوجود الالتصاق الإيماني بينهما .

كذلك فإن حذف بعض الحروف من بعض الكلمات القرآنية يوحي بمعانٍ متعددة ، حسب السياق القرآني ؛ لأن الحذف يقلل زمن الحدث ، أو زمن الكتابة ؛ لذا فإنه يمكن أن يوحي بالسرعة . فلو تدبرنا كلمة ( باسم ) في القرآن الكريم كله ، لوجدناها تأتي بشكلين : أحدهما محذوفة الألف ؛ مثل :﴿ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (الفاتحة: 1)- ﴿ بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾(هود: 41). والثاني بألف وسطية ؛ مثل :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾(العلق: 1) - ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾(الواقعة: 74) .

وحذف الألف في كلمة ( بسم ) يوحي بأنه يجب علينا بسرعة الوصول إلى الله تعالى بأسرع الوسائل ، والبدء باسم الله بأقصى سرعة . أما الحالات التي جاءت فيها ( باسم ) بألف الوصل ، فإنها جاءت بقصد التسبيح ، أو القراءة ؛ وهي أمور تحتاج إلى التفكر والتدبر والتمهل .

كذلك فإن حذف بعض الحروف من الكلمات القرآنية يمكن أن يوحي بقلة الشأن ؛ وذلك حسب السياق ؛ لأن انكماش الكلمة يؤدي إلى انكماش الصورة ، وانكماش المعنى . ونلاحظ ذلك في كلام صاحب مالك الجنتين في سورة الكهف ، حين يقول له : ﴿ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً (الكهف: 39) ، فجاءت كلمة ( ترن ) محذوفة حرف الياء الأخيرة ؛ وذلك ليوحي بأن مالك الجنتين يستصغره ، ويراه قليل المال ، وقليل الولد .

كذلك فإن الحذف يوحي أيضًا بالانكماش والتقوقع حسب السياق ؛ فمثلاً حين يتكلم القرآن عن قواعد البيت ، يأتي بالألف الوسطية الصريحة :﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ (البقرة: 127) ؛ لتدل على عمق القواعد .. غير أن القرآن الكريم حين يتكلم عن القواعد من النساء- أي : العجائز- تأتي ( القواعد ) بدون ألف صريحة ؛ لتدل على انكماش النساء في الكبر وهمودهن وقلة حركتهن :﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً (النور: 60) .

كذلك فإن الحذف يوحي بعدم الدخول في التفصيل . أما في حالة وجود الألف فيوحي بنوع من التفصيل ، فنجد مثلاً كلمة ( سموت ) قد وردت في القرآن الكريم كله / 189 / مرة بدون ألفي المد .. ووردت مرة واحدة فقط ( سموات ) بألف .. ومن العجيب أن تأتي هذه المرة فى سورة فصلت ، حيث تم تفصيل السموات ، وأن لكل سماء أمرها ؛ وذلك في الآية / 12 / :

﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا

كذلك فإن الحذف يوحي بالقرب ، حيث نلاحظ أن حرف النداء ( يا ) ورد في القرآن الكريم كله بدون ألف :

﴿ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ (الأعراف: 59)- ﴿ يَرَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ ﴾(الزخرف: 88)- ﴿ يَصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا (هود: 62)- (يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ (البقرة : 21 )- ﴿ وَإِذْ قُلْتُمْ يَمُوسَى (البقرة : 55 )

وهذا يرسم صورة رائعة للقرب ، حيث يوحي حذف حرف الألف بكامل القرب ، وبأن النداء لابد أن يكون من قريب ؛ ليوحي بالألفة .. ونرى الإعجاز كاملاً في حذف حرف النداء كله من كلمة ( يرب ) ؛ لتكون فقط ( رب ) ، فتوحي بالقرب الكامل :

﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾(البقرة: 127)- ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا (آل عمران: 8)

كذلك فإن حذف حرف الألف يوحي بعدم التوسع في بعض الأمور ؛ فمثلاً حينما نتدبر قوله تعالى :﴿ الطَّلقُ مَرَّتَانِ فى الآية / 229 / من سورة البقرة :﴿ الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ، نجد أن كلمة ( الطلاق ) جاءت بدون ألف ؛ لتوحى بأنه مازال هناك في المرتين من الطلاق ارتباط بين الزوجين في فترة العدة ؛ ولتوحي بعدم التوسع في الطلاق . كذلك جاءت بالألف ؛ لتوحي بانفصال كل مرة طلاق ، وبأنه لا يكون الطلاق مرتين ، أو ثلاث دفعة واحدة :

﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (البقرة : 227 )

كذلك نجد أن إبدال بعض الحروف بحروف أخرى في الكلمات القرآنية ؛ وذلك لتغير صورة الكلمة ، وبالتالي إعطائها معنى صادقًا .. ونضرب لذلك الأمثلة الآتية بصور مختلفة ؛ وهي ( رءا ، و رأى ) ، و( طغا ، وطغى ) .

نجد كلمة ( رءا ) قد وردت إحدى عشرة مرة ، وآخرها ألف . ووردت كلمة ( رأى ) مرتين فقط ، وآخرها حرف الياء .


وحين نتدبر المرات التي وردت فيها كلمة ( رءا ) بحرف الألف ، نجد أنها كلها رؤية بصرية :

﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَءَا كَوْكَباً (الأنعام: 76)- ﴿ فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ (يوسف: 28)

ونظرًا لأن الرؤية بصرية ، جاءت نهاية كلمة ( رءا ) بالألف ؛ لتدل على وجود حاجز للرؤية ، أو حدود لها .

غير أنه حين يتكلم القرآن عن رؤية البصيرة النافذة أو رؤية الفؤاد ، تأتي كلمة ( رأى ) تنتهي بحرف الياء الذي يوحي بالامتداد . وقد جاءت بهذا الشكل في موضوعين اثنين من القرآن الكريم ، خاصتين بالرسول صلى الله عليه وسلم ، حينما بلغ السموات العلى وسدرة المنتهى ، حيث كانت الرؤية الحقة بدون حدود ؛ وذلك في سورة النجم .. قال تعالى :

﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾(النجم: 11)- ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾(النجم: 18)

كذلك وردت كلمة ( طغا ) بالألف فى نهايتها ، حينما ذكر الله سبحانه وتعالى طغيان الماء المغرق لقوم نوح :

﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (الحاقة: 11)

وجاءت بالألف في آخرها ؛ لتوضح أن طغيان الماء كان للأعلى بامتداد حرف الألف حتى يغرق .

ووردت كلمة ( طغى ) فى نهايتها حرف الياء الممتد ، حينما تكلم القرآن عن طغيان فرعون ، حيث يوحي ذلك بامتداد طغيان فرعون فى الاتجاهات العرضيه والجانبية :

﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (طه: 24)- ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (طه: 43)

والقرآن الكريم يحتوي على مئات الأمثلة من هذه الكتابة المخصوصة للكلمات القرآنية التي توضح صورة المعنى المراد ، وتجعل الكلمة القرآنية صادقة معبرة :﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً ﴾(النساء: 87) .


يمكن التواصل مع المؤلف على البريد الإلكتروني الآتي :

shamlo7@hotmail.com

أو على : ت/27042292 / القاهرة - موبايل/ 0101692635 /

0 التعليقات:

إرسال تعليق