الاثنين، 23 يناير 2012

التحديد القـرآني لـدور الميـاه فـي الحيـاة

يقول الله تعالى وجعلنا من الماء كل شيء حي

د. إسلام محمد الشبراوي (رحمـه الله تعالى)

يناقش هذا البحث التحديد القرآني لدور الماء في عالم الأحياء ما بين الخلق والجَعل, على ضوء المكتشفات العلمية الحديثة, مثل اكتشاف أنواع من البكتيريا لا يدخل الماء في تفاعلاتها مثل (بكتيريا الكبريت القرمزية), ويناقش كذلك الجزيئات الحديثة التي عليها شواهد من نظريات تكون الحياة على الأرض مثل بدء الحياة كلها_ باستثناء الإنسان _ في الماء مبدئياً, وتكوّن أوكسجين الغلاف الجوي من مادة الماء ذاتها, ويثبت البحث مدى دقة اللفظ القرآني الذي سبق هذه النظريات الحديثة بأربعة عشر قرناً كاملة, مما يدعو إلى إعادة تناول اللفظ القرآني بدقة تلتزم ثوابت اللغة العربية والأسلوب القرآني المتفرد وصولاً إلى فهم أصح لما يحتويه القرآن الحكيم من إعجاز علمي مذهل.

قال الله سبحانه وتعالى:﴿أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كفروا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حي أَفَلا يُؤْمِنُونَ {30} [الأنبياء].

وقال الله سبحانه: ﴿ وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الماء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا {54}[الفرقان].

نصَّ القرآن الكريم على أن الماء هو أهم مكونات الخلق, ولا يخفى على العلماء الدور الذي يلعبه الماء في الخلق والحياة, والمقصود من تكرار الحقائق القرآنية هو إظهار الدقة الشديدة للفظ القرآني عند التناول العلمي للقضايا المختلفة, وكيف أن الخلط أحياناً في تأويل اللفظ القرآني قد يَجُرُّ لمشكلات تنبع من محاولة التفسير الخاطئ المتسرع الذي يدقق بحرص متناه في اللفظ القرآني ذاته.

الماء هذا السائل الذي يُكَوِّن من 70 – 90% من أوزان معظم أنماط الحياة, وهو سائل شديد التفاعلية وله خواص كيميائية تختلف عن كل السوائل الأخرى, إن للماء وجزيئاته (H2O), أو لمركباته الكهربية المتأينة مثل الهيدرنيوم (H3O+), أو للهيدروكسيد (OH-), أهمية ضخمة في كل التفاعلات الحيوية التي تحدث داخل الخلية, وهذه الميزات هي التي تحدد كل الخواص البيولوجية للمواد العضوية الكيماوية الأخرى مثل البروتينات والأحماض النووية وأغشية الخلايا والريبوسومات وغيرها من التراكيب, ومنه فتغير نسب الماء قد يدمر كل التفاعلات الكيميائية, وبالتالي الوظائف الحيوية للخلية.

وينتج الماء من تفاعل الهيدرنيوم مع الهيدروكسيد وفق المعادلة العكوسة التالية:

ولكن بالرغم من دور الماء الهام في التفاعلات الحيوية للكائنات ظهر استثناء في عالم النبات, لا يحتاج لاستعمال الماء في عملياته الحيوية هي (بكتيريا الكبريت القرمزية)Purple Sulphur Bacteria , وهذا النوع من البكتيريا (بكتيريا خلايا نباتية بدائية) اكتشفت قرب الحمم البركانية على البر وفي أعماق المحيط, وهي لا تستعمل الماء مثل كل الكائنات الأخرى لإنتاج موادها العضوية التي تتغذى عليها، بل إنها تستعمل (كبريتيد الهيدروجين) مع ثاني أكسيد الكربون ولا يدخل الماء في التفاعل الكيميائي مطلقًا.

مما جعل أعداء الإسلام يضعون الشبهات حول آيات القرآن الكريم وخصوصاً في قول الله سبحانه وتعالى:

﴿ أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كفروا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حي أَفَلا يُؤْمِنُونَ {30} [الأنبياء].

وسأل المعارضون: كيف جعل الله سبحانه من الماء كلَّ شيء حيّ, وهذه البكتيريا لا تحتاج للماء في حياتها؟

مع العلم أنهم درسوا النظرية العلمية لنشوء الحياة.

وحسب هذه النظرية تعتمد الكائنات وبالذات الحيوانية والنباتية والبشرية على عاملين هما:

الماء والأوكسجين, وتنص على التالي:

أ ـ إن كل أنماط الحياة بدءًا بالنباتية ثم تلتها الحيوانية نشأت من الماء وفي الماء أولاً ثم خرجت لاحقًا لليابسة.

ب ـ إن جو الأرض أولاً لم يكن به أوكسجين على الإطلاق، ونشأ هذا الأوكسجين وتراكم تدريجيٌّا في الغلاف الجوي للأرض بعد نشوء الحياة نتيجة لعملية (التمثيل الضوئي) للنباتات البدائية الموجودة في مياه المحيطات التي كانت تغمر الأرض حينذاك، أي أن غاز الأوكسجين الهام جدٌّا في (كل شيء حي) هو نتائج لعمليات بيولوجية تمت في الماء وبواسطة الكائنات المائية البدائية. (وجود الأوكسجين أو قريبه الكيميائي الأوزون (O3) في أي منطقة كونية يثبت فورًا وقطعيٌّا ـ حسب النظريات العلمية ـوجود الحياة، أما وجود الماء فهو قرينة على إمكانية نشوء حياة وليست دليلاً قاطعًا على وجودها بالفعل).

للرد على المشككين في صحة آيات الذكر الحكيم نبين مواطن الإعجاز في الآية الكريمة:

1 – الإعجــاز البيــانـي

أ- الفرق بين فعل (خلـق) وفعل ( جعـل).

ليس هناك تعارض مطلقًا بين النص القرآني، والمكتشفات العلمية، إنما التشوّش نشأ عن الخلط والتسرع في تفسير النص القرآني دون مراقبة اللفظ القرآني بدقة، ودون اللجوء للقرآن ذاته كمفسر لذاته.

وبمراجعة الآيات الكريمة السابقة نجد أن الله سبحانه وتعالى عبّر عن دور الماء في (كل شيء حي) بصورة عامة بالفعل( جَعَلْنَا ), بينما عبّر عن الأنماط الحيّة القادرة على الحركة بأنماطها المختلفة (الدواب) بفعل(خلق).

واختلاط الأمور نشأ أولاً من الخلط بين معنى الفعلين (جعل) و(خلق).

ولتبين الحقيقة نقول:

إنالخلق هو الإيجاد المبدئي من العدم، وهو فعل يدل على خاصية إلهية لا يجوز أن تنسب لبشر.

أما(جَعَلَ) فهو فعل يعني تقدير أو إنتاج أو إضفاء هيئة معينة وحال معين على شيء تم خلقه فعلاً قبلاً.

ودعنا نلاحظ النصوص القرآنية العديدة التي جمعت الفعلين معا لندرك الفرق بينهما.

قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلالاً {81} [النحل].

ويقول تعالى: ﴿ اللَّهُ الذي خَلَقَكُم مِن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يشاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ {54} [الروم].

ويقول سبحانه:﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الماء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا {54}[الفرقان].

ويقول الله(عزَّ وجلّ):﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا {11}وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُودًا {21}[المدثر].

ويقول الله العلي القدير:﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وقبائل لتعارفوا {13} [الحجرات].

ويقول الله (جلّ في علاه): ﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى {38} فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى{39}[القيامة].

ومن هذه الآيات الكريمات كلها نستطيع أن نلحظ أن معنى الفعل (خلق) يختلف لغويٌّا تمامًا عن الفعل (جعل)، وبالذات في نطاق الخلق والتقدير الإلهي للكائنات الحية.

ولكن هناك موضع واحد في قصة الخلق كلها يتم فيه التعبير بصورة متساوية بفعلي (خلق) و(جعل) عن قضية واحدة وبنفس المعنى، هذا الموضع هو المتعلق بخلق الزوج (الأنثى), بداية من الزوج الأول حواء عليها السلام حيث أن إيجاد حواء من جسد آدم عليهما السلام (أي خلق الخلية الأنثوية من الخلية الذكرية)، هو واقعة بيولوجية غير متكررة، ولن تحدث مرة ثانية على الأرض، فتلك الواقعة إذَن يمكن التعبير عنها تمامًا بفعل (خلق),

ولكن لأنها واقعة غير مسبوقة ولا متكررة وهي حادثة فريدة في التكاثر البشري ولا يمكن أن تحدث على الأرض حسب النواميس الإلهية، فهي إذَن أيضًا يمكن التعبير عنها بـ (خلق).

يقول تعالى:﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا ونساء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الذي تساءلون بِهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{1} [النساء].

وعلى هذا فالخلاصة، أن فعل (خلق) المعروف يختلف عن فعل (جعل) قرآنيٌّا، وإن كان ذلك لا يمنع اقتراب المعنى في بعض المواقف المحددة فقط، مثل الموقف المعبر عن خلق الزوج (حواء عليها السلام).

وهذا يعني:

_ إضفاء حالة وهيئة وتقدير وصيرورة معينة على الخلق.

_ تحويل المخلوق من هيئة لأخرى.

صورة لبكتيريا الكبريت القرمزية

_ جعل فيه: تعني وضع أو ألقى فيه أو بداخله.

وبالعودة إلى الآية الكريمة ( وجعلنا من الماء كل شيء حي).

نجد أن التعبير (جعلنا) يخالف التعبير(خلقنا) هنا ولا يتطابق معه، فلو قال الله تعالى: (وخلقنا من الماء كل شيء حي) مثلاً، لعنى ذلك أن الماء لابد وأن يكون جزءًا رئيسًا وحيويٌّا في تراكيب ووظائف كل الخلق الحي، ولابد أن يعتمد عليه كل الأحياء، بلا استثناء في حياتهم,

أما التعبير بـ(جعلنا) فيعني أن (الماء) له علاقة شديدة بكل أنماط الحياة، لكنه لا يعني بالضرورة وجودها في تركيب الخلق ذاته بكل أنماطه.

ب- معنى حرف (مـن) في الآية الكريمة:

من أسرار اللغة العربية تعدد معنى الحرف الواحد فمثلاً:

حرف الجر (مِن) قد يستعمل لغويٌّا لثلاثة أغراض رئيسة: حيث إن (مِن) بالكسر هو حرف خافض وهو أولاً يستعمل لابتداء الغاية، كقولك: خرجت مِن بغداد للكوفة، حيث إن بغداد هنا هي بداية الرحلة.

وثانيًا: قد يكون للتبعيض(بعض الشيء) كقولك: (هذا الدرهم مِن الدرهم).

وثالثًا: قد يكون للبيان والتفسير كقولك: (لله دره من رجل)، وقد ساق الإمام الرازي في مختار الصحاح مثلاً قرآنيٌّا رائعًا تظهر فيه الثلاثة مواضع السابقة في قوله تعالى: ﴿ وَيُنَزِلُ مِنَ السماء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ ﴾[النور: 43]. حيث إن (مِن) الأولى لابتداء الغاية، و(مِن) الثانية للتبعيض، و(مِن) الثالثة للتفسير والبيان.

ومن مناقشة الفرضية القوية لنشوء الكائنات كلها(عدا الإنسان) من أصول مائية، أي أن الحياة نشأت أولاً (في الماء ومن الماء)، فنقول هنا: إنه يجب أن نلاحظ في آيتنا الكريمة: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حي﴾، أن المفسرين تبنّوا تفسير حرف الجر(مِنَ) بأنه للتبعيض، أي أن الماء هو ولابد أن يكون من مكونات كل الحياة والأحياء بلا استثناء (كل شيء حي).

ونقول: إن حرف الجر (من) يستعمل أيضًا لابتداء الغاية. أي أن (كل شيء حي) أتى (من) (الماء) أولاً ثم خرج لليابسة بعد ذلك.

الإعجـاز العلمـي في الآيـة الكريمـة:

أولاً: (المـاء): العامل الأول الهام في إيجاد الحياة.

إن الإعجاز البلاغي القرآني هو أحد المفاتيح الذي يعبر عن الحقائق العلمية بدقة متناهية، ففي المثال الذي ضربناه عن (بكتيريا الكبريت القرمزية) والقليل من الكائنات الشبيهة بها، نرى أن تلك البكتيريا لا تعتمد على الماء (H2O) للحصول على ذرات الهيدروجين اللازمة لإنتاج الكربوهيدرات التي تتغذى عليها ـ مثلما يحدث في كل الأحياء الأخرى ـ بل هي تعتمد على مركب آخر هو كبريتيد الهيدروجين (H2S)، ونلاحظ أن هذا هو النمط الحي الوحيد الذي تم اكتشافه ولا يعتمد على الماء، وحتى هنا لا يقع أي تصادم أو تعارض مع الآية القرآنية التي عبّرت عن إيجاد الأحياء (كل شيء حي) بفعل (جعل) وليس (خلق)، هذا لأنهم اكتشفوا أنه في تلك البكتيريا يحدث التفاعل التالي:

أ ـ معادلة التمثيل الضوئي في هذه البكتيريا (لا عكوسة) هي:

وهنا نرى على الرغم من أن الماء لا يدخل في التفاعل، إلا أنه ينتج عنه، كمنتج أساسي لا غنى عنه لإتمام العملية الحيوية، وهكذا فالماء لا يزال هنا له علاقة شديدة بخاصية الحياة لدى تلك البكتيريا الحية، ورغم أنها لا تستهلكه إلا أنها لو توقفت عن إنتاجه لفسدت العملية كلها وانتهت حياة هذا المخلوق.

الكثير جدٌّا من تلك البكتيريا والأنماط المشابهة لها، تعيش في أعماق المحيط بجوار فوهات البراكين الموجودة فيها، وتلك البكتيريا الموجودة في الأعماق لا تعتمد على الضوء لإنتاج الغذاء واستمرار الحياة، حيث إن تلك البكتيريا تقوم بالتمثيل الكيمائي synthesis ` Chemo بدلاً من التمثيل الضوئي synthesis ` Photo(لعدم وجود الضوء في الأعماق)، وتعتمد على شيء واحد هام لاستمرار تلك التفاعلات الجوهرية لحياتها والتي لا يدخل فيها الماء أحيانًا، وهذا الشيء الواحد هو الماء أيضًا، وتفسير ذلك اكتشاف البحوث العلمية أن مياه المحيط تندفع في الشقوق الموجودة في الصخور البركانية بين صفائح القشرة الأرضية (التكتونية) الحارة جدٌّا، وعلى هذا فالماء المتواجد هناك حارٌّ جدٌّا، والأهم من ذلك أن هذا الماء الساخن يتفاعل كيميائيٌّا مع الصخور الموجودة تحت القشرة الأرضية في تلك الظروف من الضغط والحرارة المرتفعة جدٌّا (300 درجة للحرارة و280 كيلوجرام على كل سنتيمتر مربع للضغط)، وهنا تحدث تفاعلات كيميائية أهمها هو اختزال مادة الكبريتات (السلفات) Sulphates الموجودة في ماء البحر إلى كبريتيد الهيدروجين (الذي تعتمد عليه تلك البكتيريا كبديل للماء) وباستعمال الطاقة المستخلصة من الماء الحار بدلاً من الطاقة الضوئية.

وهنا تقوم تلك البكتيريا بأكسدة الكبريتيدات لتأخذ طاقة تمكنها من القيام بالغذاء.. إذَن فتلك الأنماط البكتيرية التي لا تستعمل الماء لا تزال:

تعيش في الماء وعلى أعماق كبيرة منه ويلعب الماء الدور الأساس والرئيس لاستمرار حياتها ـ رغم أنه لا يدخل في التفاعلات ـ وذلك عن طريق التجهيز الحراري والكيميائي اللازم للمواد المتفاعلة.

الماء إذاً منتج جانبي رئيسي لتلك العمليات الحيوية.

ثانياًً: (الأوكسـجين): العامل الثاني الهام في إيجاد الحياة.

حسب النظرية العلمية لنشوء الحياة نجد غاز الأوكسجين, الذي لولاه ما كانت الحياة(كل شيء حي) على الأرض، والذي تشير الأدلة العلمية أنه نشأ على الأرض نتيجة لعمليات بيولوجية (مثل التمثيل الضوئي) للكائنات المائية البدائية، وما كان موجود قبلاً في الغلاف الغازي لكوكب الأرض.

وهنا نلاحظ:

أ- أن العملية التي أدت لإنتاج هذا الأوكسجين تمت كلها في الماء وبواسطة الكائنات التي تعيش في الماء ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حي ﴾ ، وتلك نقطة قرآنية هامّة لها مصداقيتها العلمية نستطيع تبينها من الآية الكريمة.

ب ـ إن عملية إنتاج الأوكسجين كما تحددها النظريات العلمية الآن لم تتم فقط في الماء أو بواسطة الماء، بل إن غاز الأوكسجين المتواجد في الهواء (والذي هو أساس لحياتنا؛ نحن وكل الأنماط الحية المتحركة) ثبت أنه مستخلص من جزئي الماء (H2O) وليس ثاني أكسيد الكربون (CO2) كما كان معتقدًا حتى وقت قريب.

إذن فغاز الأوكسجين الذي يمثل الأساس للحياة، لم ينشأ فقط في الماء أو بواسطة الكائنات النباتية المائية، بل هو نفسه مستخلص من الماء وجزء منه.

وأخيرًا فإننا عندما نقول: إن التعبير الإلهي الوارد في القرآن المجيد بشأن الإيجاد بواسطة الماء بفعل (خلق) فإن هذا التعبير قد جاء في وصف (الدواب) و(البشر) في قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن ماء ﴾[النور: 45]، وقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ الماء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ﴾[الفرقان: 54]، فإن الحقيقة العلمية القاطعة تقول: إن كل الكائنات التي لها خاصية الحركة، والتي تتميز بها الأنماط الحية الأكثر رُقِيٌّا (تسمى قرآنيٌّا الدواب، والأسلوب البيولوجي لوحداتها الحركية مذكور في الآية نفسها من سورة النور) كلها مخلوقة من الماء الذي يدخل في كل تفاعلاتها الكيماوية الخلوية، ولذا لا تستغني عنه مطلقًا، وهذا ينطبق أيضًا على البشر، ولعله من الغريب هنا أن نقول: إن الأنماط البيولوجية التي ذكرناها قبل ولا تستهلك الماء كلها أنماط نباتية دنيا (المملكة الحيوانية تختلف عن المملكة النباتية بخواص أهمها خاصية القدرة على الحركة)، وأيضًا وكما أن البكتيريا عمومًا تنقسم إلى متحركة Motile عن طريق الأهداب وغيرها، وغير متحركة Immotile، فإن البكتيريا التي لا تستهلك الماء مثل بكتيريا الكبريت القرمزية تقع ضمن الطائفة (غير المتحركة) أي التي لا تدب, أي ببساطة أن الآيات القرآنية التي تحدثت عن دخول الماء كمكون أساس في أجساد المخلوقات الحية (بفعل خلق)، والتي خصصت الآيات القرآنية منها اثنتين بالتحديد هما, الدواب والبشر أي الكائنات القادرة على الحركة، لتثبيت قطعي أن القرآن الكريم هو وحي من عند الله، أما النقاش القرآني للكائنات الحية عمومًا ودور الماء فيها، فإنه لوجود بعض الاستثناءات الضئيلة التي اكتشفت حديثًا، فقد جاء التعبير القرآني فيها بفعل (جعل) وليس (خلق).. كلها حقائق قرآنية إعجازية يشيب لها الولدان وتقشعر لها الأبدان .. فسبحان الله العظيم.

شكر خاص للأخ الأستاذ حسن شهاب الدين الذي قام باختصار البحث وتهيئته للنشر.

المـراجع

1- القرآن الكريم.

2- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، بحاشية المصحف الشريف، محمد فؤاد عبد الباقي، توزيع دار الحديث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1407هـ، 1987م

3- مختار الصحاح، الإمام الرازي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1979م.

4- المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم، القاهرة.

5- المعجم الطبي الموحد (مجلس وزراء الصحة العرب، اتحاد الأطباء العرب، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، الطبعة الثالثة، 1983م، ميدليفنانت، سويسرا.

6- الجديد في المنظور العلمي للقرآن المجيد، الجزء الأول، د. إسلام الشبراوي، دار الرسالة الجدي

.7- Biology, Helena Curtis, Fourth Edition, 1983, Worth Publishers Inc. U.S.A.

8- Biochemistry, ALBERT L. Lehninger, Second Edition, 1975, Worth Publishers Inc.

9. Textbook of Biochemistry with clinical correlations, Thomas M. Devlin, Editor, A Wiley Medical Publications. 1982.

0 التعليقات:

إرسال تعليق