بقلم: حسن بن يوسف شهاب الدين عِندَمَا يَقرَأُ المُتَأَمِّل في كِتَابِ الله تَعَالَى يَجِدُ أَنَّ السَّمَاء تَأتي مَرَّةً بِمَعنَى سَمَاء الكَون, وأُخرى بِمَعنَى الغِلاف الجَوّي المُحيط بالأرض, لهذا أمرنَا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ قِرَاءةِ القُرآنِ الكَريم بالتفَكرِ والتَعقلِ والتَدبرِ, وبالتالي يَجِبُ رَبط الآيات بِبَعضِهَا لِلوصُولِ إلى المَعنَى الصحيح, ومِنه قَولُ الله تَعَالَى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [ سورة محمد:{24}]. ولأنَّ من وَضَعَ الشبهات حول موضوع السماوات لم يتفكر وكان هَمه الوصول لثغرة في كتابٍ لا يأتيهِ الباطل من بين يديه ولا من خلفه, هذا الكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى عربياً فيه من الأسرار البلاغية ما أذهل علماء اللغة وأهل الفصاحة والبيان, قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [سورة يوسف:{2}]. وما وضعت هذه الشبهة إلاَّ لأنَّ صاحبها لا يعرف كثيراً من أصول اللغة, فحقه علينا الإجابة وبيان ما أشكل عليه. السؤال: قال الله تعالى في سورة البقرة: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {29}﴾, وهنا نرى أن الله خلق ما في الأرض جميعاً.. و كلمة جميعاً تعنى أن الله خلق الأشجار والبحار والأنهار والجبال وكل ما في الأرض جميعاً...... ثم استوى إلى السماء وسواها... ولكنة يقول في سورة النازعات: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33}﴾, ومن الآيات هنا نعرف أن الله سوى السماء أولاً وأصبح هناك ليل وضحى ثم بعد ذلك دحا الأرض وخلق الماء والمرعى من الأرض وأرسى الجبال.... وهذا يناقض ما جاء في (سورة البقرة 29) التي تقول أن الله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ((( جَمِيعاً)))﴾ أي بما فيها من ماء ومرعى وجبال قبل خلق السماء, ونجد في سورة فصلت: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ {10} ثُمّ اسْتَوَىَ إِلَى السّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ{11} فَقَضَاهُنّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىَ فِي كُلّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾, فهنا الله خلق الأرض أولاً ووضع فيها الرواسي ثم سوى السماء.. بينما في النازعات يقول أن الله سوى السماء أولا ثم جعل الرواسي في الأرض حيث قال: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا). السؤال هنا: هل الله خلق كل ما في الأرض جميعا من ماء ومرعى وجبال ثم سوى السماء بحسب ( سورة البقرة 29 ) أم أن الله سوى السماء أولا ثم خلق ما في الأرض من ماء ومرعى وجبال بحسب ( سورة النازعات 27- 31)؟, إن الماء والمرعى والجبال هل هي أشياء في الأرض أم لا؟ الجواب: السماء: كل ما علاك فأظلك, ومنه قيل لسقف البيت: سماء. والسماء: المطر لنزوله من السماء. ومنه قول الشاعر: إذا سقط السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضابا والسماء في القرآن الكريم على حد علمنا لها معنيين هما: سماء الكون, وسماء الأرض (السماء الدنيا) المؤلفة من طبقات. سماء الكون: قال الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الأنبياء:{30}]. هذه بداية خلق الكون الذي علمت في هذا القرن بنظرية الانفجار الأعظم, حيث بدأت قصة الخلق بقول من الله سبحانه وتعالى: (كن), فكان وتطور حتى وصل إلى الشكل الذي نراه اليوم, وهذا الكون الممكن الإدراك ليس أزلياً ولا يتجاوز عمره: 13.7 (10-14) بليون سنة وكان قبله عدم, لقول الله تعالى: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [سورة النحل:{3}]. وأصل الخلق: التقدير المستقيم، ويُستعمل في إبداع الشيء من غير أصل (من العدم). حيث كان الكون في اللحظات الأولى سديم ذو كثافة عالية جداً وكتلة كبيرة وحجم صغير, ونستطيع أن نلاحظ أن السماوات والأرض كانت شيئاً واحداً قبل الفتق, وهذا يعني أن الأرض لم تكن كياناً مستقلاً بذاتها لأنها كانت قبل الفتق ملتحمة مع السماء, وبعد الفتق كانت كما أراد الله لها أن تكون. وبعد هذا الانفجار العظيم (الفتق) أصبح الكون يتوسع بتقدير من خالقه سبحانه وتعالى الذي عبر عنه بلفظ السماء فقال سبحانه: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [سورة الذاريات: {47}]. وهذا ما يدل عليه علماء الفيزياء من نظرية توسع الكون, وما نحن الآن إلا في أحضان هذه السماء التي تتوسع لتصل إلى كثافة حرجة تجعلها تنطوي لتعود كما كانت بأمر الله تعالى, وهذا ما يعبر عن نهاية الكون, لأن لكل مخلوق أجل ونهاية, وكذلك السماء الكونية تنتهي وفق نظرية يسميها العلماء (الانسحاق العظيم), فقال سبحانه وتعالى: ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [سورة الأنبياء:{104}]. هذه هي سماء الكون من البداية إلى النهاية كما أخبرنا عنها كتاب الله تعالى الذي لا تنقضي عجائبه, وأكد هذه المعلومات أهل النهى وعلم الفيزياء وأصحابه. ومنه فسماء الكون خلقت قبل أن تكون الأرض كياناً مستقلاً. الشكل التالي يوضح نشأة الكون من العدم أما سماء الأرض (الغلاف الغازي): هي انبعاث دخاني من الأرض الأولية الملتهبة تَمَيَّزَ مع الوقت إلى طبقات فوقنا لكل منها وظيفة محددة, وثبت بالعلم أن الأرض كانت شبه متجانسة بلا ملامح وبأمر من الله تعالى ومع الحرارة والتوازن نزل الحديد إلى اللب لتوازنها وتزيد من جاذبيتها, وخرجت المواد الأخف ليكون السطح قطعاً تميد, فأرساها الله تعالى بالجبال تحت حجب الدخان وأبخرة الماء تمهيداً لخلافة الإنسان مصداقاً لقول الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةًَ ﴾ [سورة البقرة:{30}]. ونشأت حيوانات الرعي فأخرج من الأرض الماء والمراعي, وهذا الوصف هو نفس المضمون في قوله تعالى: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ ﴾ [سورة النازعات]!. وجاء التعبير عن سماء الأرض (الغلاف الغازي) مرة بلفظ السماء وإضافة (الدنيا) إليها, ومرة بدون إضافتها عندما يُعْرَف من خلال القراءة أن السماء المقصودة هي السماء الدنيا (الغلاف الغازي), ومنه قول الله تعالى: ﴿ إِنّا زَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾.[سورة الصافات:{6}]. فربما يقول قائل: أن الكواكب موجودة خارج الغلاف الغازي للأرض, فكيف زينت هذه السماء بالكواكب؟. والجواب: أنه لولا هذا الغلاف الغازي الذي يعمل كمرشح نستطيع من خلاله رؤية الكواكب, لما رأينا إلا ظلاماً حالكاً وهذا ما أكده رواد الفضاء عند خروجهم من الغلاف الجوي, وهذا مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾ [سورة الحجر:{14-15}].: صورة للسماء وهي مزينة بالكواكب وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آَيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [ الأنبياء:{32}]. يحفظ الأرض من النيازك والشهب التي ترد من خارج الأرض وغلافها الغازي الذي يشكل (درعاً واقياً لها), ويحفظ ما في داخلها لقوله عزَّ وجَلّ: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ [ سورة الطارق:{11}]. أما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [سورة فُصِّلَت {9-12}]. وقوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [سورة البقرة: {29}]. يظهر من الآيات السابقة أنَّ الله سبحانه وتعالى خلق الأرض قبل السماء، لأنَّ السماء المقصودة هنا هي الغلاف الغازي المحيط بالأرض الذي تشكل من دخان الأرض نفسها. أما في قول الله تعالى في سورة النازعات: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَمِ السّمَآءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ﴾ [النازعات:27-33]. فالسماء المقصودة هي سماء الكون التي خلقها قبل أن تكون الأرض كياناً مستقلاً بذاته. خلق الكون في ستة أيام أكد القرآن الكريم في أكثر من آية من آياته الجلية أنَّ خَلْقَ العالم قد تمَّ (فِي سِتّةِ أَيّامٍ) في عملية واحدة متصلة ذات مراحل كما لو كان بناءً واحداً تتابع تشييد خطة تصميمه المقدرة منذ البدء, وإذا اعتمدنا نفس التمثيل واعتبرنا عمر الكون حتى الاكتمال ستة أيام يكون نصيب الأرض وحدها منذ تشكلها مع المجرة إلى الاكتمال أربعة أيام, وإذا تميزت الأرض كجرم مستقل في يومين لا يبقى للجو إلا يومين مع تشكل السطح الصخري ونشأة الحياة, وهو نفس التمثيل في قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾ [فصلت{9-10}], وإذا كانت النشأة الحقيقية للأرض كنظام حركي ترجع إلى حوالي 8.4 بليون سنة قبل أن تعمر بالنبات الذي بدأ يطلق أكسجين الجو منذ حوالي 0.25 بليون سنة علامة على تكامل البناء, يكون عمر الكون الفعلي في التمثيل بنفس القيمة المعروفة الآن: 12.5 (10-15) بليون سنة. انظر إلى اللون الأحمر الذي يدل على نشأة سماء الكون, ومن ثم انظر إلى اللون الأزرق الغامق, الذي يدل على نشأة سماء الأرض (الغلاف الغازي), وهذا دليل علمي على صدق القرآن الكريم وأنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وحقيقة خلق الكون وبناءه وفق ترتيب مذهل يظهر واضحاً وجلياً في قول الله تعالى: ﴿ أَأَنتُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَمِ السّمَآءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ﴾ [النازعات:27-33]. لأنَّّ التعبير ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا﴾ يوافق ما أكده العلماء من توسع الكون في البدء, وهو مصداق قول الله تعالى: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [سورة الذاريات:{47}]. والفعل: ﴿ بَنَاهَا ﴾ أتى بصيغة الماضي ليعبر تعبيراً تصويرياً عن اكتمال خلق الكون, ويقصر التوسع على فترة البناء, لأن الخلق غير البناء, فالخلق إبداع الشيء من العدم, والبناء يتم بعد الخلق, وكأنَّه تمثيل ببناء بيت في أيام متتابعة ذات مراحل متوالية مقدرة منذ البدء, والضمير في ﴿ لَيْلَهَا ﴾ يعود على السماء ليدل على ظلمتها الحالكة فوق الغلاف الغازي للأرض تشبيهاً بالليل, والفعل ﴿ أَغْطَشَ ﴾ جاء ليؤكد حلكة السماء مع التوسع واضمحلال تركيز طاقة مادة البناء, لتحول الطاقة إلى مادة, وفق قانون التحويل: (الطاقة تساوي الكتلة مضروبة بمربع سرعة الضوء), والتعبير﴿ أَخْرَجَ ضُحَاهاَ﴾ تمثيل للسطوع التدريجي للشمس فترة الضحى, أما في قوله سبحانه: ﴿ وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴾ فهو يناظر علمياً فترة التسطيح في تاريخ الأرض ويتفق مع المعلوم حالياً أن عمر سطحها لا يكاد يبغ 4.5 بليون سنة, لأنَّ الدحو من التسطيح, وأجمع علماء المسلمين وأهل التفسير أنَّ من معاني (دحو الأرض) بسطها وتسطيحها وإخراج الماء والمراعي من داخلها على هيئة بخار ماء خرج من باطن الأرض عبر البراكين والذي نزل بدوره على شكل أمطار تشكلت منها المياه الجوفية وتفجرت الينابيع والأنهار, فأنبت منها النبات, وفي هذا سبق علمي للسلف الصالح (رضوان الله عليهم أجمعين). أما التعبير﴿ بَعْدَ ذَلِكَ ﴾ إنَّ (بعد) تفيد الترتيب والتعاقب, وحرف اللام في (ذلك) تفيد البعد, فهو قرينة قاطعة تدل على حقيقة ترتيب أحداث نشأة الكون التي أقرَّها القرآن الكريم وأخبرنا عنها في زمن لم يكن العلم يعرفها, وجاء اليوم العلم ليؤكدها لأنها توافق أوثق معطياته, فيزداد الذين آمنوا إيماناً, وليعلم أهل الشبهات أنه كتاب الله تعالى, فإن تابوا فلهم أجرهم, وإن أصروا على استكبارهم فعليهم وزرهم. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. هذا والله أعلم أرجو الدعاء لوالديَّ (رحمهما الله) للمراسلة: Shehap4@maktoob.com المراجع: - القرآن الكريم - الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي. - الانفجار الكبير لسيلك ص75 - الكون لستيفن هاوكنج ص55
0 التعليقات:
إرسال تعليق